أصبح غاري كون، المستشار الاقتصادي الكبير في البيت الابيض آخر ضحايا الفوضى التي تتخبط فيها إدارة الرئيس دونالد ترامب عقب تقديمه استقالته، في حين صعّد ترامب تهديداته بفرض رسوم كبيرة على واردات الفولاذ والألمنيوم والسيارات الأوروبية.

وفتحت الأسواق المالية الآسيوية على انخفاض، أمس، وسط مخاوف من سعي الرئيس الاميركي إلى إجراءات أكثر حمائية، رغم اغلاق الاسواق الأميركية على ارتفاع لاسباب عدة منها توقع انفراج في شبه الجزيرة الكورية، ولكن من دون أن يتضح لدى المستثمرين ما اذا كان ترامب سيواصل تطبيق تدابير تجارية تقييدية.

Ad

وغاري كون، هو محرك مقترح الاقتطاعات الضريبية التي وافق عليها الكونغرس في ديسمبر الماضي. لكنه خسر الحرب الداخلية في مواجهة اصوات تطالب بمزيد من الحمائية في فرض الرسوم الجمركية.

وقال ترامب في بيان: "غاري كان كبير مستشاري الاقتصاديين، وقام بعمل رائع لتنفيذ برنامجنا"، مضيفا "إنه يتمتع بموهبة نادرة، وأشكره على عمله المتفاني".

وقلل البيت الأبيض من أهمية ما قيل عن أن استقالة كون جاءت على خلفية فرض سياسات تجارية أكثر تشددا، لكن قبل لحظات من إعلان الاستقالة لم يبد ترامب أي مؤشر الى تراجع حتى في وجه معارضة من حزبه.

وقال ترامب للصحافيين، إنه انتخب لحماية العمال والصناعات الأميركية التي تضررت إثر سنوات من سياسات تجارية غير عادلة.

وأضاف، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفن: "تعرضت بلادنا للاستغلال من الجميع. ولا يمكننا السماح باستمرار هذا بعد الآن".

لكن خطة ترامب المتعلقة بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المئة على الفولاذ و10 في المئة على الالمنيوم ضد الاصدقاء والخصوم على السواء، أثارت غضب الشركاء التجاريين للولايات المتحدة.

وأصابت بالذهول الشركات ومصنعي السيارات الاميركية الذين يعتمدون على تلك المعادن وعلى التدفق التجاري الحر.

بل إن اعلان فرض رسوم جمركية أواخر الاسبوع الماضي فاجأ مسؤولي الادارة الاميركية، وخصوصا لأن المراجعة القانونية لم تكن قد انتهت. وسرت انباء عن احتمال استقالة كون على الفور.

ويبدو أن المدير التنفيذي السابق لـ"غولدمان ساكس" والبالغ من العمر 57 عاما، هُزم أمام فريق أكثر تأييدا للحمائية يضم المستشار التجاري بيتر نافارو ووزير التجارة ويلبور روس.

وقال ترامب في تغريدة، إنه سيقوم "قريبا" بتعيين بديل عن كون. وكتب: "كثيرون يريدون الوظيفة- سأختار بحكمة".

وباستقالته، ينضم كون الى قائمة طويلة من كبار المسؤولين في الادارة الذين استقالوا او اقيلوا قبل ان يكملوا عامهم الاول في مناصبهم او بالكاد فعلوا.

فأعلنت هوب هيكس، التي تعد من أقرب المقربين لترامب، الأربعاء الماضي، أنها ستستقيل من منصبها كمديرة للاتصالات في البيت الابيض.

وجاء إعلانها بعد مغادرة كبير الموظفين رينس بريبوس ومستشار الامن القومي مايكل فلين وآخرين.

وتأكدت الأسواق أن فرض رسوم قد لا يكون أمرا سيئا، وان حربا تجارية يمكن تجنبها، لكن مغادرة كون ربما تنذر بصعوبات.

وخطة فرض رسوم جمركية- التي أعقبها ترامب بالتهديد بفرض "ضرائب متبادلة" على جميع الواردات من دول تفرض رسوما جمركية على الصادرات الاميركية- أثارت القلق لدى قادة في الحزب الجمهوري الذي يؤيد تقليديا تجارة حرة.

راين ومنوتشين

وكان رئيس مجلس النواب بول راين في الطليعة داعيا ترامب إلى خطة "أكثر ذكاء" و"محددة الهدف في شكل أكبر".

وقال راين للصحافيين، إن "ما يحصل انتهاك بشكل واضح" فيما يتعلق بإلافراط في الانتاج وإغراق السوق، وخصوصا من جانب الصين، فإن التدابير الحمائية قد يكون لها "عواقب غير مقصودة" تفضي الى حرب تجارية.

لكن ترامب قلل مرة اخرى من أهمية المخاوف من اندلاع مواجهة عالمية، قائلا "إن الحروب التجارية ليست سيئة... الحرب التجارية تضرهم. إنها لا تضرنا".

في وقت سابق، أعلن وزير الخزانة ستيفن منوتشين، أن ترامب مدرك "للأثر المحتمل" لتلك التدابير على الاقتصاد.

وقال منوتشين، إنه يعمل على وضع تفاصيل خطة الرسوم التي ستعلن هذا الأسبوع "وأعتقد أنه سيكون لدينا طريقة للتعامل مع ذلك".

وترامب نفسه قال، بشيء من الغموض، إن التدابير ستفرض "بطريقة ودية وطويلة".

الاتحاد الأوروبي

ورغم تلك التطمينات الظاهرة، هدّد الاتحاد الأوروبي بالرد مستهدفا سراويل الجينز الاميركية والويسكي الأميركي ومواد اخرى مثل زبدة الفستق وعصير البرتقال والدراجات النارية "هارلي ديفيدسون".

وعرضت المفوضية الاوروبية، أمس، استراتيجيتها المفصلة للرد على تهديدات ترامب، بفرض رسوم كبيرة على واردات الولايات المتحدة من الفولاذ والالمنيوم، وبينها اجراءات رد تشمل سراويل الجينز وزبدة الفستق وعصير الليمون الاميركي.

وأعلنت المفوضة الاوروبية للتجارة سيسيليا مالستروم، انه "ليس هناك رابحون في حرب تجارية"، معربة عن املها ان "تكون اوروبا معفية" من الاجراءات التي اعلنها ترامب.

وقالت المفوضة: "هذا سيسيء الى العلاقات بين جانبي الاطلسي" بدون ان تعلن اجراءات ملموسة، بل عرضت فقط الاجراءات التي يمكن ان يتخذها الاتحاد الاوروبي.

من ناحيته، أعلن رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر ان الاتحاد الاوروبي مستعد "للرد بحزم وتكافؤ".

والى جانب الاجراءات الانتقامية يمكن للاتحاد الاوروبي ان يتخذ خلال اسابيع ايضا، اجراءات تسمى "انقاذية" لحماية صناعته.

ويقضي ذلك بخفض الواردات الاوروبية من الفولاذ والالمنيوم لحماية القطاعين من الصناعة الاجنبية حسب ما تسمح به قواعد منظمة التجارة العالمية.

لاغارد

وفي باريس، قالت كريستين لاغارد، مديرة صندوق النقد الدولي امس، إن الحروب التجارية لا يربحها أحد، وإن عواقب فرض رسوم أميركية على الواردات ستكون خطيرة بالنسبة للاقتصاد الكلي إذا ردت الدول الأخرى بفرض رسوم من جانبها.

من جهته، توعد وزير الاقتصاد المكسيكي ايلدفونسو غوخاردو، بالرد على الرسوم الاميركية واستهداف "صادراتهم الأكثر حساسية سياسيا".

ووسط هذا النوع من المواجهات حذر خبراء الاقتصاد من احتمال حقيقي لاندلاع "حرب تجارية" يمكن أن تلحق ضررا خطيرا بالاقتصاد العالمي.

وقال خبير الاقتصاد إيان شيبردسون من معهد "هاي فريكوينسي"، إن ترامب "يلعب بالنار"، مضيفا في مذكرة بحثية: "رغم أن صناعات الفولاذ والالمنيوم تعد صغيرة بالنسبة للاقتصاد الكلي، فإن الرسوم على هذين القطاعين يمكن أن تؤدي إلى ردود انتقامية من دول اخرى، مع احتمال أن تقوم إدارة ترامب برد مضاد على الرد المضاد".

وأعلن وزير التجارة الأميركي ويلبور روس، أمس، أن الولايات المتحدة لا تسعى الى حرب تجارية، وأن قرار فرض رسوم على واردات الصلب والألمنيوم "قد تم درسه بعناية".

وتابع: "نريد علاقات جيدة مع حلفائنا"، مضيفا أن قيام الولايات المتحدة بزيادة إنتاجها من الصلب، سيجنب ارتفاع أسعار هذا المعدن. وأضاف: "لن تكون هناك حرب تجارية كبيرة"، مضيفا أن "الرئيس ما كان ليبدي رغبة في الليونة مع كندا والمكسيك، لو كان يسعى فقط إلى حلول متطرفة. إنه قرار تم درسه بعناية مع طريقة تطبيقه".