الدلّة سرّبت يا عزيزي
![محمد الوشيحي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1579110147954926500/1579110167000/1280x960.jpg)
ثم رحت، بعد أن صعقته، أشرح له مقصدي وأفصّل موجزي: عندما دخلتُ أنا الإعلام، من باب الصحافة المقروءة، ومنها إلى الصحافة المرئية، كانت الدلة مليئة بالقهوة، أو للأمانة في منتصفها، وكانت السُّحب تشعر بالوحشة لسعة الفضاء، وكان الكتّاب الكويتيون هم الأطول رقاباً بين العربان، وكان الخياطون يعانون جراء ذلك، وكنا إن أردنا مخاطبة زملائنا العرب نضع أيدينا على "عُقُلِنا" كي لا تسقط ونحن ننظر إلى الأسفل، بشفقة، وكان المركز الأول في حرية الصحافة والرأي والتعبير، على المستوى العربي، مثل حِمى كُليب بن ربيعة، محجوزاً للكويت، لا تجرؤ دولة عربية على الاقتراب منه، فقد كان "لنا الصدر دون العالمين"، أو دون العاربين، وكان الواحد منا يمشي ويداه تتأرجحان بحرية كما يؤرجح العسكري يديه في الطابور الميداني بشموخ وعزيمة، وكنا وكنا وكانت الكويت وكانت صحافتها وكان ياما كان…واليوم، انظر فوقك إلى الفضاء، ستشاهد السحب مكدسة بعضها فوق بعض لضيق الفضاء. هذه تصرخ على تلك التي تنفّست في وجهها، وهذه تدوس قدم تلك، وهذه تنام على كتف تلك. زحمة سحب. ثم تلفّت بيننا، نحن الكتاب الكويتيين، لن ترى إلا "كتفاً ورأساً"، كما يقال، فقد اختفت الرقبة بفعل فاعل، وتضاحك الخياطون علينا، وكُبّلت أيدينا الحرة المتأرجحة، ومات كليب.سرّبت الدلة عزيزي الشاب، بعد أن أصبحت الصحافة أسرع طريق إلى النيابة، فالمحكمة فالسجن، أو الغرامة الثقيلة في أفضل الأحوال. ثم إن عدد الكتّاب، اليوم، يفوق عدد القراء، وعدد التلفزيونيين يفوق عدد المشاهدين، مع انتشار برامج التواصل بين الناس، كما تعلم، ومن نجا من القدماء فقد أفلح.صدقني، لن أغشك، الدلة سرّبت ولم يبق إلا "حثالها"، وأنت تعلم أن "سريب الدلة" لا يشربه إلا الضعيف المهان، بحسب تقاليدنا وأعرافنا، فارفع نفسك وعليك ببرامج التواصل، لعلك تجد لهدفك سبيلاً، مع دعواتي لك بأن يحميك الله من العسس والفَلَس.