قدمت اللجنة الأوروبية مسودة نصها القانوني المتعلق بمعاهدة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وقد اشتملت تلك المسودة على شروط متعددة حول الفترة الانتقالية وحقوق مواطني المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والتزام بريطانيا إزاء ميزانية التكتل، وعلى أي حال تمثلت القضية الأكثر إثارة للجدل في وضع أيرلندا الشمالية في أعقاب البريكست الذي صيغ في بروتوكول خاص.

وتقول المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إنهما يريدان تفادي الجانب الصعب في قضية الحدود بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، ولكن عدم وجود اتفاقية حول كيفية تحقيق ذلك فإن هذه المسألة تهدد من جديد بانهيار المفاوضات الأوسع بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كما حدث في شهر ديسمبر الماضي.

Ad

وكانت الفقرة رقم 45 في اتفاقية ديسمبر قد أوضحت بصورة جلية «التزام المملكة المتحدة إزاء الحفاظ على سلامة أسواقها الداخلية ومكان أيرلندا الشمالية فيها بعد مغادرة المملكة المتحدة للأسواق الداخلية للاتحاد الأوروبي والاتحاد الجمركي». وقد يجادل البعض في إمكان تفادي مشكلة الحدود إذا اختارت المملكة المتحدة الانضمام الى اتحاد جمركي جديد مع الاتحاد الأوروبي، ولكن من الواضح أيضاً من خلال الفقرة 45 أن المملكة المتحدة ستغادر السوق الواحدة أيضاً وسيفضي ذلك إلى تعقيدات تتعلق بالحدود الأيرلندية.

وكان اتفاق شهر ديسمبر (الفقرة 49) قد طرح ثلاثة خيارات محتملة لتفادي تعقيدات الحدود مع جمهورية أيرلندا وهي:

1– تحقيق هذا الهدف من خلال علاقة إجمالية «بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي».

2– اقتراح المملكة المتحدة «لحلول محددة» من أجل علاج الظروف الفريدة لجزيرة أيرلندا وطرح المملكة المتحدة لبعض الأفكار في ورقة مستقلة.

3– وأخيراً «في حال غياب حلول متفق عليها ستحافظ المملكة المتحدة على ارتباط تام مع قوانين السوق الداخلية والاتحاد الجمركي الذي سيدعم– الآن أو في المستقبل– التعاون بين الشمال والجنوب وكل اقتصاد الجزيرة وحمايته في اتفاقية سنة 1998».

وهذا الخيار الأخير هو المفضل من الحكومة الأيرلندية والاتحاد الأوروبي، وفي غضون ذلك تصر الجهات الأوروبية المعنية على أن خيار الارتباط مع السوق الداخلية والاتحاد الجمركي وضع ضمن شرط يقول إنه «لن يكون هناك تطور لحواجز تنظيمية جديدة بين أيرلندا الشمالية وبقية أنحاء المملكة المتحدة ما لم يتماش ذلك مع اتفاقية عام 1998».

وهذا النص الجديد عبارة عن اقتراح من جانب الاتحاد الأوروبي، وهو يهدف إلى تحويل اتفاق شهر ديسمبر إلى التزام قانوني، كما يوفر خطة مفصلة لما يظنه الاتحاد إزاء الخيار الثالث السالف الذكر، ولكنه لا يعيد إقرار أن أي حل يجب ألا يغير موقف أيرلندا الشمالية من بقية أنحاء المملكة المتحدة.

وفي غضون ذلك تجدر الإشارة الى أن المرجع الوحيد المتعلق بالخيارين الأول والثاني في اتفاق شهر ديسمبر يوجد في المادة رقم 15 من البروتوكول التي تقول إن الحلول الأخرى يمكن أن توجد في «اتفاقية لاحقة» بين شهر مارس من سنة 2019، وعندما يحين موعد نهاية الفترة الانتقالية في شهر ديسمبر 2020. وفي تلك الحالة لن يتم تطبيق الخيار الثالث.

مشكلة الحدود

وهذا يعني أن مشكلة الحدود بين أيرلندا الشمالية والمملكة المتحدة ستكون صعبة ما لم تظل المملكة المتحدة كلها ضمن الاتحاد الجمركي في التكتل الأوروبي، ولكن حتى في تلك الحالة لن يوفر الاتحاد الجمركي بالضرورة حلاً كاملاً نظراً لأن أكثرية عمليات التحقق المحتملة تنجم عن قضايا تنظيمية وليس عن تحصيل التعرفة فقط.

وسيؤسس البروتوكول أيضاً لإقامة «منطقة تنظيمية مشتركة» بين أيرلندا الشمالية والاتحاد الأوروبي، والملحق الذي يشير إلى قوانين الاتحاد الأوروبي حول الجمارك وضريبة القيمة المضافة ومقاييس الزراعة وأسواق الكهرباء وحماية البيئة يصور كيف سيكون هذا شاملاً. كما أن المادة 12 تشير الى أن «سلطات المملكة المتحدة لن تتصرف مثل سلطة قيادية إزاء تقييم الأخطار والتحقق والموافقة على الإجراءات التي ينص عليها قانون الاتحاد في هذا البروتوكول، ويفترض أن هذا سيعني أن الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة ستفقد الكثير من سلطتها داخل أيرلندا الشمالية».

وإضافة الى ذلك ستقوم مؤسسات الاتحاد الأوروبي بموجب المادة 11 من البروتوكول بالاشراف على «المنطقة التنظيمية المشتركة» ضمن سلطة محاكم الاتحاد الأوروبي، ومن شأن ذلك تحويل شريحة واسعة من اقتصاد أيرلندا الشمالية الى سيطرة بروكسل.

مصير المحادثات

يستخدم الاتحاد الأوروبي قضية الحدود الأيرلندية من أجل دفع المملكة المتحدة نحو حصيلته المفضلة في المفاوضات: بقاء المملكة المتحدة بشكل كلي في الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك مع أجزاء كبيرة من السوق الواحدة، وهي حقيقة بدأت الأسبوع الماضي من خلال دعوة رئيس حزب العمال البريطاني جيريمي كوربين الى اعتماد مثل هذه السياسة– ولو بطريقة غير مقنعة تقول إن المملكة المتحدة تستطيع التأثير على المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل– وهو ما يضاعف تكتيكات اليد القوية. وفي غضون ذلك حث تاوسيتش ليو فارادكار الأيرلندي حركة الشين فين على نيل مقاعدها في البرلمان لأول مرة «من أجل جعل الأمور أفضل بالنسبة الى أيرلندا».

من الواضح أن قضية الحدود الأيرلندية معقدة ولا يوجد حل سهل لها، وقد أشارت المملكة المتحدة الى رغبتها في مناقشة درجة عالية من الارتباط مع إطار عمل الاتحاد الأوروبي التنظيمي والإجراءات الجمركية، والاحتمال هو أن هذا يعني طلاقاً أكثر بطئاً مع الاتحاد الأوروبي وبقدر يفوق ما كان متوقعاً. ولكن الطريق الى التسوية لا يحصل على مساعدة من التدخل الحالي من جانب اللجنة الأوروبية، وبعد كل شيء فإن هذا يفترض أن يشكل نصاً مشتركاً لا يزال خاضعاً الى مفاوضات مع المملكة المتحدة.