مفارقة حيازة الأسلحة النارية بين أميركا وسويسرا

نشر في 10-03-2018
آخر تحديث 10-03-2018 | 00:00
عندما يتعلق الأمر باقتناء الأسلحة النارية لا يظهر الشعب الأميركي وكأنه من عقليتين فقط، بل من أمتين مختلفتين بصورة تامة.

والجمهورية التي أقرت بحق الأميركيين في اقتناء السلاح في سنة 1791 لا تشبه كثيراً الدولة التي نعيش فيها اليوم، وقد رأت أميركا الاستعمارية أن الأسلحة تشكل امتداداً طبيعياً للحياة اليومية، ولكن ذلك لم يسيطر على طريقة تفكير الشعب الذي توجه نحو صياغة الدستور في أواخر القرن الثامن عشر، وفي حين جعل الاقتصاد والثقافة الريفية في الولايات المتحدة في ذلك الوقت حيازة السلاح ظاهرة شائعة تماماً فإن فلسفة المؤسسين المتعلقة بالأنظمة الحاكمة في أوروبا– وخصوصا في الإمبراطورية البريطانية– قد ساعدت في توجيه بواعثهم وخطواتهم.

ومنذ البداية المبكرة شكلت قضية الأسلحة للأميركيين أداة عملية في منع الطغيان ومقاومة لطريقة الحياة التي أصبحت غريبة بالنسبة إليهم بصورة تامة، وتبدو تعقيدات الحياة في الولايات المتحدة مختلفة اليوم، وإذا كان هناك من يشير إلى أن الرواية الأميركية ليست أكثر من نزاع بين عوامل هاملتون وجيفرسون فإن ذلك الانقسام قد يكون واضحاً بجلاء تام في قضية حمل السلاح.

النقاط الجغرافية

تشهد الولايات المتحدة في الوقت الراهن انقساماً نتيجة عوامل سياسية وجغرافية وثقافية وعقائدية، وهناك من يقول بوجود «قائمة طويلة من الأسباب التي تدعو الى تشديد قوانين حمل السلاح على الرغم من صعوبة ذلك الهدف، ولكن عندما ننظر عن كثب الى الأرقام نشهد وجود طرف يستثمر بقدر أكبر في ذلك الجدال وبنسبة تفوق الآخرين».

وكما هي الحال بالنسبة الى الإرهاب تعتبر حوادث إطلاق النار نادرة بشكل نسبي لكنها مؤلمة ومؤثرة بصورة عميقة، والجناة يطلقون النار على المواطنين الآمنين وبقدر من الحرية، ويعرضون ويكشفون الضعف في قدرة الدولة على منع تلك الحوادث.

وفي حين يسارع الكتّاب والخبراء الى الإشارة إلى تنظيم حمل السلاح في الدول الصناعية الأخرى فإن ما يغيب عن ذلك التحليل هو الاعتراف بوجود طريقتين للتفكير في هذه المسألة.

وإذا نظرنا إلى حالة سويسرا التي يتم الاستشهاد بها في أغلب الأحيان نرى أنها متساهلة بصورة نسبية عبر المقاييس الأوروبية عندما يتعلق الأمر بالسلاح، ولكنها على أي حال أسست ثقافة حمل السلاح بالنسبة الى كل مواطن قادر على حمله، كما أن ملكية السلاح شائعة تماماً، ويحق لمن يخدم في الميليشيات الوطنية شراء السلاح من الحكومة عند انتهاء خدمته إضافة إلى أن المواطن السويسري كمعظم الأميركيين لا يحتاج إلى الحصول على رخصة من أجل اقتناء بنادق صيد أو أسلحة نصف آلية، وعلى أي حال يتم تنظيم عملية حيازة السلاح والذخيرة بشدة في سويسرا وعلى مستوى الكانتونات، وتعتبر الأسلحة مسؤولية جماعية من قبل العامة من أجل الدفاع ضد الغزو والاحتلال.

ثقة المواطنين

يولي المواطن السويسري ثقة كبيرة بقدرة حكومته على تحقيق توازن بين التنظيم والحقوق، وذلك نظراً لوجود فهم وطني إزاء حمل السلاح، ولكن لا يمكن قول الشيء ذاته عن الولايات المتحدة.

وفي ملاحظات طرحت في الأسبوع الماضي هاجم رئيس جمعية الأسلحة الوطنية واين لا بيير «الاشتراكيين»، وجادل في أن وكالات الأمن وحفظ النظام تستخدم حوادث إطلاق النار على غرار ما حدث أخيراً في باركلاند بولاية فلوريدا من أجل مصادرة الأسلحة النارية، وفرض هيمنة على الشعب الأميركي. وقال إنه «في كل مرة وفي كل دولة يصل فيها هذا المرض السياسي إلى السلطة يتم قمع المواطنين وتدمير حريتهم، إضافة إلى حظر أسلحتهم ومصادرتها».

وهذا هراء لأن أجزاء من العالم غير المستقرة وغير الديمقراطية تعج بالسلاح، ولكن هذه الطريقة من منظور سياسي فعالة وعملية، ثم إن جمعية الأسلحة الوطنية لا تعمل اليوم كمورد للسلاح إلى المتحمسين أو حتى دعاة تطبيع ثقافة الأسلحة الوطنية كما هي الحال في سويسرا لأن هذه الجمعية تخدم، الى حد كبير، واحدا من حقوق حمل السلاح التي ترتبط بحزب سياسي معين.

ومع قبولها على شكل وسيلة للحرية تسعى جمعية الأسلحة الوطنية الى توسيع الانقسام بين الأميركيين إزاء الأسلحة النارية، كما تعجل في الشلل السياسي المواكب لعملية التنظيم.

دعاة السيطرة على السلاح

وتجدر الإشارة إلى أن دعاة السيطرة على السلاح تشجعوا في الآونة الأخيرة من خلال جهود بذلتها المجتمعات المالية والتجارية التي هدفت الى قطع العلاقات مع جمعية الأسلحة الوطنية، وقد حصلت الدعوات الى تلك المقاطعة على زخم برز بجلاء على منصات التواصل الاجتماعي، ومن خلال أمل الكثير من الأميركيين الذين عبروا عن رغبتهم في رؤية قيود مشددة على ملكية السلاح، والقول إن الحكومة إذا كانت غير قادرة على إصلاح هذه المشكلة، فربما تستطيع الأسواق القيام بذلك، ومن دون الحاجة إلى فرض قوانين تحقق تلك الغاية بطريقة ما.

الأمل الزائف

لكن هذا يظل أملاً زائفاً على أي حال، وقد أساء الناس فهم كيفية تصميم دعاة حمل السلاح إزاء المحافظة على حقهم في امتلاكه، وعلى الرغم من المفارقة في كون انتخاب دونالد ترامب للرئاسة قد ألحق الضرر بمنتجي السلاح يوجد القليل فقط من الأسباب التي تدعو إلى الاعتقاد بأن ضغوط السوق من جانب النخبة الأميركية ستضعف التصميم على حيازة الأسلحة في الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف وكما هي الحال في سويسرا وغيرها من الدول الصناعية يجب أن يكون الحل سياسياً، ولكن القناعة هي أن ذلك الحل يتعين أن يكون مقبولاً من المواطنين في المقام الأول.

ويجادل جون دانييل ديفيدسون وهو كبير مراسلي مجلة «ذي فيدراليست» بأن «التعديل الثاني لم يهدف الى حماية حق صيد الغزلان أو الطيور، أو حتى حماية بيتك وعائلتك من المتطلفين، وينبع حق حمل السلاح من حق الثورة وهو ما أكده إعلان الاستقلال الذي يشكل الأساس بالنسبة الى تماسك المجتمع الأميركي».

ويقر ديفيدسون بأن من المحتمل أن يتعرض عدد أقل من الناس إلى الموت في أعمال عنف ذات صلة بالسلاح لو تم تشديد أنظمة حمل السلاح في الولايات المتحدة، وعند هذه النقطة تتفق وجهة نظر الباحثين في أن «العدد الأقل من الأسلحة يعني حدوث وفيات أقل بسببها».

ولكن الكونغرس هو الذي يقرر في نهاية المطاف مصير انتشار حمل السلاح في الولايات المتحدة في المستقبل.

back to top