«High Light»: نحو واقع جديد لجامعة الكويت
تناولنا في المقال السابق أوجه القصور التي تعانيها جامعة الكويت فيما يتعلق ببناء الإنسان الكويتي، ونحاول الآن بلورة مجموعة تصورات للنهوض بهذا الواقع على النحو التالي:- قيام اتحاد لطلاب الجامعة، غير الموجود الآن، يكون بمثابة تنظيم حر يمارس الطلاب من خلاله العمل الطلابي، ويحققون به إرادتهم الحرة، ويكون لهم الحق في أن يصوغوا برامجه وأن يحددوا أهدافه وإطاره التنظيمي دون تدخل من أي جهة إدارية أو أمنية أو غيرها. وتمتد صلاحيات اتحاد الطلاب للحياة الجامعية ذاتها؛ فيكون للطلاب رأي في أساتذتهم، وفي المقررات التي يدرسونها، وفي طرق التقويم التي يخضعون لها، ولهم رأي في كل منحى من مناحي الحياة الجامعية، لكي يؤخذ بالاعتبار وليس مجرد تنفيس عن تطلعات وطموحات وآمال، ويكون إنشاء هذا الاتحاد عبر إجراءات ديمقراطية حقيقية.فإذا ما تحقق للطلاب هذا الوضع المؤسسي تكون الجامعة قد حققت ركناً ركيناً فيما يعرف بالحرية الأكاديمية التي نفهمها إطاراً يتمتع كل من عاش فيه بالحرية والاستقلالية.
- وفي إطار الحرية الأكاديمية يختفي مبدأ تعيين رؤساء الأقسام والعمداء وغيرهما من المناصب القيادية؛ لمصلحة مبدأ الاختيار الحر من أعضاء هيئة التدريس، فلا يكون المنصب إلا لمن يستحقه علماً وخلقاً وإنسانية.- وفي إطار الحرية الأكاديمية تختفي العلاقات الرأسية التي تجعل الأساتذة طبقة عليا يخضع لها الطلاب ويطيعون بسلبية مهما كانت الأوضاع ظالمة، لتتحول إلى علاقة أفقية تضع الطلاب إنسانياً بجانب أساتذتهم؛ ومن ثم يسقط الخوف والرهبة ويسود التسامح والحب والقبول. - يتوافر في إطار الحرية الأكاديمية لأعضاء التدريس فرص حقيقية للتعبير عن وجهات نظرهم بحرية تامة؛ ويتطلب ذلك إقصاء كل التدخلات الأمنية وغيرها، وأهم من ذلك منع الإرهاب الفكري الذي يتستر تحت أرديةٍ دينيةٍ وأخلاقيةٍ وسياسية فيصادر الأفكار ويقمع حرية الفكر التي بدونها لا تستقيم حال للجامعة.- والمقررات الدراسية التي تختارها الجامعة لتكون دعماً لبناء المواطنة الصحيحة، لا تستطيع القيام بهذه المهمة إلا إذا صيغت صياغة على أساس معايير محددة، تجعل منها نسقاً معرفياً يضم في ثناياه مشكلات كويتنا وقضاياها، ويستثير لدى متلقيه من الطلاب الرغبة في مناقشة هذه المشكلات والقضايا وإبداء الحلول المناسبة لها.ختاما: يتطلب التحول بالجامعة إلى هذه الوجهة التي تمكنها من بناء المواطن الكويتي المنتمي إلى أرضه وتاريخه؛ إعادة النظر في كل ما يسود الجامعة من أساليب للتعليم والتقويم، ليحل محلها عمل تربوي مقصود يستند إلى أساليب التعلم الذاتي التي تجعل الطالب طاقة مستقلة مشاركاً في عملية التعلم، وقادراً على التعلم المستمر بعد أن يترك الجامعة إلى الحياة؛ وحينما تفعل الجامعة ذلك فهي تحقق بناء المواطنة الدستورية، حيث يكون المواطن مسؤولاً طوال حياته عن تنمية ذاتية تمكنه من أن يكون قادراً على تطوير نفسه وبالتالي خدمة وطنه الكويت.ودمتم بخير.