«روح الحرية»
لا فرق بين الفلسطيني الذي اغتُصِبت أرضه وفُرِضت عليه ظروف الشتات والهجرة منذ سبعين عاماً، وأخيه العربي في - عدد كبير - من البلاد العربية، في أنهما لا يشاركان بانتخابات برلمانية أو قيادية أو حتى مجتمعية كالنقابات والاتحادات التي تخلو منها بلاد عربية كثيرة رغم اعتراف هذه البلاد بـ"الاتحاد البرلماني الدولي"، وهو منظمة عالمية للبرلمانات الوطنية أنشئت في عام 1889 تشجع الحكم الديمقراطي والمؤسسات والقيم من خلال العمل مع البرلمانات والبرلمانيين للاستجابة لاحتياجات وتطلعات الشعوب. النظام الديمقراطي هو روح الحرية في أي بلد يؤكد أن جميع أفراد المجتمع متساوون في الحقوق والواجبات، ولا وجود للتمييز في أي وظيفة أو موقع قيادي إلا من خلال الكفاءة.وهذا النظام الديمقراطي لا تكتمل صورته دون أن تكون هناك انتخابات منضبطة الإيقاعات لخدمة الوطن تحت هذا الاسم من أعلى الهرم القيادي إلى أقل المناصب في أي تجمع أو نقابة.
أول مرة مارست حقي في الانتخابات بعد أن أصبحت مواطنا كنديا كان يوما مميزا لا يقل عن يوم الاحتفال الذي منحت فيه الجنسية الكندية رسميا رغم أن المهاجر يعتبر مواطنا كاملا بمجرد أن تطأ قدمه أرض البلاد إلا أن حق الانتخاب لا يأتي إلا بعد إتمام شروط الهجرة. لم أمارس هذا الحق الذي قرأت عنه كثيرا قبل الهجرة في المناهج الدراسية العربية في كل مراحلها، لأن حياتي كانت تنقلاً بين البلاد مثل الآلاف من الفلسطينيين إما للدراسة أو للعمل إلى أن استقر بي المطاف في كندا. وقفت أمام صندوق الاقتراع لأول مرة بنشوة واعتزاز بأنني أصبحت إنسانا كاملا له حقوق يمكنني أن أطالب بها وقت لزم الأمر مع كل من هاجر من بقاع الأرض في ظل قانون يمنح الحرية لكل من يلتزم به ويؤدي واجبه صحيحا. لأول مرة ألمس معنى أن يكون لي صوت مع الآخرين لنقرر مَن يفوز مِن المرشحين الذي عرضوا برامجهم الانتخابية على مدى أشهر سابقة ليكون في المكان المناسب الذي سيعود جهده على البلد وينتفع بها الجميع دون فرق. من المحزن في البلاد العربية التي تسمح بمثل هذه الانتخابات أن تلاحق الشكوك دائما النتائج فينقسم الشعب ين مؤيد ومستسلم للأمر الواقع، إلا من قلة تشجب وبحذر، لأن الشعار الديمقراطي الذي رُفـِعَ خلال الحملات الانتخابية يتنحى بعد الفوز وتبدأ الممارسات الخاطئة ضد أولئك المشاغبين الذي شجبوا اعتقادا أن هذا حقهم في التعبير! الأكثر حزنا أن تروج بعض وسائل الإعلام لما سيترتب على هذه النتائج من رغد العيش وإصلاح مناحي الحياة دون سند من برنامج وخطط، الأمر الذي يُصيب الناخب بالصدمة وكأنه ابتلع سكيناً وضعه بيده في حلقه، فتعلو أصوات الشجب التي يصورها الإعلام على أنها النشاز الذي يعكر صفو المرحلة لتبدأ ممارسات تضاعف إرهاق قدرات الفرد المرهق أصلاً. الديمقراطية والحرية لا تنفصلان، فما أجمل أن يشعر الإنسان بهما معاً، ممارسة وحياة ونتائج، تضاعف حبه للعطاء في سبيل المحافظة عليهما، فهما شرطا الإبداع والتقدم بين الأمم!* كاتب فلسطيني - كندا