لينا خوري «تمسرح» الـ «أنا الذكورية» وتكشف معاناتها المتشعبة
• «حكي رجال» واقع المجتمع المعلب في التقاليد والمعلوماتية
بعد 10 سنوات على مسرحية «حكي نسوان»، تحاول المخرجة لينا خوري الدخول إلى عالم الرجال لتكتشف أسرارهم، رغباتهم، أفكارهم، أوجاعهم وهواجسهم. ما الذي يُخفونه وراء صمتهم؟ هل الرجال هم فعلاً أسياد هذا المجتمع الذكوري أم هم ضحيته؟
أسئلة كثيرة تطرحها خوري في مسرحيتها الجديدة «حكي رجال» التي تعرض على خشبة مسرح المدينة في بيروت لتبحث لها عن إجابات مقنعة، علّنا نكشف أنفسنا أمام أنفسنا بصدق.
أسئلة كثيرة تطرحها خوري في مسرحيتها الجديدة «حكي رجال» التي تعرض على خشبة مسرح المدينة في بيروت لتبحث لها عن إجابات مقنعة، علّنا نكشف أنفسنا أمام أنفسنا بصدق.
عندما بدأت لينا خوري رحلة البحث عن أجوبة، برزت المعاناة، فالأجوبة كانت بعيدة، غامضة، وغير متوافرة. لماذا لا يتكلم الرجال؟ هل هذه طبيعتهم أم انهم يخفون مشاكلهم خلف ستار مركّب؟ استمرّ البحث والمقابلات والكتابة حوالي خمس سنوات استعانت فيها بالممثلين فؤاد يمين ورامي الطويل حتى بلغوا معاً الصيغة التي تطرحها اليوم علها تكشف حال الإنسان اللبناني بصدق. من يتابع مسرح لينا خوري منذ بدايته يلمس أن ثمة تسلسلاً وترابطاً في طرح القضايا، وأن ثمة هماً اجتماعياً يراودها وتود أن تحث أهل الاختصاص على إيجاد حلول له. ليست مسرحية «حكي رجال» تكملة لمسرحية «حكي نسوان»، بل هي غوص في عمق ما هو مسكوت في المجتمع، لا سيما أن ما يسمى «الذكورية»، لديها محرمات أيضاً، كما المحرمات التي تطال المرأة.
منذ اللحظة الأولى لانطلاق المسرحية تختلط الخشبة مع الجمهور، حتى لكأن هذا الأخير هو جزء من اللعبة المسرحية، ويسرح الممثلون بينه، كيف لا والمسرحية تتوجه إلى كل شخص، وتعبر عن مكنوناته العلنية والمخبأة في داخله.
اختبار الذات
وسط إضاءة خافتة، تتحوّل خشبة المسرح إلى مكان لإجراء اختبار التمثيل، ويتوالى عليها تباعاً خمسة ممثلين لكل منهم شخصيته الفريدة، وأسراره، وهواجسه، فيتحفظ كل منهم في البداية في الإفصاح عن داخله، لكن مع استمرار اللعبة المسرحية يجد كل ممثل نفسه منساقاً إلى التحدث عما يجول في فكره كرجل، سواء في علاقته مع المرأة الصديقة أو الزوجة، أو في تعامله مع عادات المجتمع وتقاليده، ضمن أسلوب فيه كثير من السخرية المبكية. تكمن أهمية المسرحية في أن لينا خوري تضع الممثلين وجهاً لوجه أمام كاميرا صامتة، فينجرفون في تحدٍ لـ«الأنا الذكورية»، ما يدفعهم قسراً إلى الحديث عن قضايا المرأة والمساواة مع الرجل...ليس هدف لينا خوري في مسرحيتها إبراز مساوئ الذكورية وإظهار المرأة كأنها ضحية لها، بل على العكس، أرادت إلقاء الأضواء على ناحية مهمة في حياة الرجل هي أنه يعاني بدوره، وكثيراً ما يخفي معاناته في داخله ولا يخرجها إلى العلن. من هنا ظهرت لينا خوري أنها منحازة إلى الإنسان ومعاناته بغض النظر ما إذا كان رجلاً أو امرأة، وهنا تكمن أهمية المسرحية التي وإن كان عنوانها يدل على أنها ذكورية الطابع، إلا أنها في الحقيقة تحمل مضموناً شاملاً أبعد من قضية الجنس (ذكر أو أنثى)، يتمحور حول مفهوم إنساني شامل، يذهب بعيداً في محاولة فهم جذور المعاناة المتشعبة الأطراف، والتي تعود إلى المراحل العمرية المختلفة ابتداء من الطفولة.تنوع الحالات
الرجل والمرأة كلاهما ضحية، هكذا يستخلص المتفرج، لا سيما أن الرجل تربيه أمه وهي امرأة وتزرع فيه منذ الصغر الرجولة والنزعة الذكورية. ولمزيد من الاندفاع في عالم الذكورة، يظهر على المسرح «عزيز» وهو شخص افتراضي يطل على شاشة وسط المسرح، يعطي تفاصيل حول مفهوم الذكورة يغلب عليها الطابع الآلي في إشارة إلى المعلوماتية المعلبة التي تسيطر على الحياة اليوم. لا شك في أن تعدد الأصوات والحالات في المسرحية: ناطور بنك، ثري، شاب يقع ضحية استغلال المرأة، رجل تخونه زوجته، مثلي... كلها نماذج في المجتمع لها معاناتها الخاصة النابعة من ظروفها ووضعها الاجتماعي، فيدخل كل واحد في حوار مع نفسه ليخرج للمرة الأولى ربما ما يعتمل في داخله من ازدواجية وتناقض في المشاعر، حتى لتخال أن من يقف أمامك ليس هذا الجبروت القائم على الكبرياء والعناد والغرور، بل كتلة من الأحاسيس تنوء تحت ثقل القهر، ومن قال إن الرجل لا يبكي، ومن قال إن المرأة لا تظلم؟ كل ذلك يدور في المسرحية ضمن كوميديا سوداء تدفع المتفرج إلى البكاء على نفسه.طاقم المسرحية
انطلق عرض مسرحية «حكي رجال» على خشبة مسرح المدينة، منذ الأول من مارس الجاري، تمثيل: غبريال يميّن، فؤاد يميّن، طارق تميم، طوني معلوف، جوزيف زيتوني، لينا خوري. كتابة: فؤاد يميّن، رامي الطويل، غابريال يميّن ولينا خوري. إخراج: لينا خوري.
لينا خوري في المسرحية منحازة إلى الإنسان ومعاناته بغض النظر عما إذا كان رجلاً أو امرأة