الحكومة لم تنصع ولم تخضع لتهديدات النواب المطير والطبطبائي وهايف بمساءلة وزير الشباب والرياضة خالد الروضان، بعد مسايرته لطلبات هؤلاء النواب بمنع قرع جرس البورصة من قبل امرأة، بمناسبة يوم الدعوة للمساواة في الحقوق مع الرجل، وتحويل الحفل الغنائي في حديقة الشهيد إلى مهرجان غنائي بالمارش الوطني، "هذه الكويت صل على النبي" كما يتصور عدد من الزملاء. الحكومة (وأقصد هنا السلطة بمعنى حكومة الحكومة أي الحكومة الفعلية المكونة من الشيوخ فقط)، كانت منسجمة مع نفسها ومع قناعاتها بالمزايدة أو مسايرة التيار الإسلامي طالما ظل مشروع الحكم سليماً بعيداً عن صداع هذا التيار، أما مشروع الدولة ومستقبلها فليس هذا من أولويات السلطة، فهو التيار الإسلامي الذي يضفي شرعية الحكم على السلطة، وهو حليفها "أحياناً" حين يظهرها بالشكل الديمقراطي الصوري، الذي تتجاوب معه في مثل تلك القضايا البعيدة عن التهديد بشرعية الحكم، والتي هي في النهاية أفضل وسيلة لإشغال الجمهور وتسخيف وعيهم السياسي وتسطيحه.ماذا يعني أن تمارس الحكومة الرياء، وتدعي أنها قرعت جرس البورصة بصورة شكلية، وتقلب الحفل الغنائي إلى حفل وطني، فهذه أو تلك لم تكن قضايا أساسية حسب ثقافة الحكم، مثلما لم يكن تشويهها وجه الدولة وكيانها من ثمانينيات القرن الماضي، وإظهارها "شكلاً ورياء" بدولة التقوى والإيمان، فأحالت روح الدولة إلى مسخ "كافكا" بغياب الفرح والبهجة حين منعت المهرجانات والاحتفالات العامة، وانحصرت بطولاتها في منع عازف عود بصالة فندق، وتوزيع المباحث في الفنادق، لنهر أي شخص لو تمايل طرباً في حفل عام، وبدأ سيل مهرجانات مسابقات حفظ القرآن الكريم، وأحيلت معارض الكتاب إلى فترينات كتب الطبخ وإطاعة الزوج من أبواب الإيمان، ودخلت حكومتها في سباق التنافس على مضمار الشرعية الدينية مع القوى الإسلامية المحافظة، بعد أن تآكلت الشرعية الدستورية من منتصف ستينيات القرن الماضي، وبزغت بعدها دعوات الجهاد ضد تدخل الكافر السوفياتي في أفغانستان، وكان يجري تجنيد الشباب "على عينك يا تاجر"... المهم أن تظهر الكويت نفسها بدولة التقوى والإيمان الروحيين ولو شكلاً ومواربة.
بماذا اختلف وضع الوزير خالد الروضان حين ساير إملاءات وتهديدات النواب المطير والطبطبائي وهايف عن غيره من وزراء سابقين تقدميين، وجدوا أنفسهم مجبرين على البصم لقرارات حكومة الحكومة، حين تساير وتزايد على التيار المحافظ، في عام 96 وقع وزير التربية الراحل د. أحمد الربعي على قانون منع الاختلاط في التعليم العالي، كان أحمد رافضاً ومعارضاً للمشروع، لكنه وقع في النهاية، فكان رأي "حكومة الحكومة"، الذي فرض على الراحل، هو أن تكسب السلطة وتساير التيار الديني طالما ظل هذا التيار يدرك حدوده، لم يستقل أحمد احتجاجاً على موقف الحكومة، وكتبت حينها مقالاً "في عهدك يا حضرة الوزير".لماذا نعترض الآن، وننتقد النائب وليد الطبطبائي أو النائب محمد المطير ومحمد هايف، فهم في النهاية يدركون تماماً هذه الحكومة ونهجها وعجزها المتأصل فيها، وهم منسجمون مع قواعدهم الانتخابية وقناعاتهم، النائب وليد مثلاً يدرك بعمق قدرات وحدود الحكومات المتعاقبة للدولة، فمن يستطيع أن يختلف معه حين يقول "حكومة عاجزة عن توزيع شنط المسافرين في المطار بسرعة، تتحدث عن تحويل الكويت إلى مركز مالي... ونستجوب وزير الإعلام كي يخرج من الوزارة ويعين مديراً للطيران... فهذا ولدنا..."!! يبقى السؤال الأخير: ماذا عن بقية نواب الأمة، لم يتكلم ولم يتحدث أحد منهم ولو بكلمة واحدة، وللمفارقة لم يجد "ليبرل" اليوم من يتحدث عنهم غير النائبين أحمد الفضل وخالد الشطي...! هل لنا أن نتحدث بعدها عن قضايا حقوق الإنسان والحريات السياسية والشخصية بكل أبعادها! اصمتوا الله يخليكم.
أخر كلام
اسكتوا الله يخليكم
11-03-2018