يوم المرأة والأوهام السبعة
جاء الاحتفال بيوم المرأة العالمي هذه السنة أعلى من العادة، صوتاً ومضموناً. ويبدو أن تلك النبرة العالية أصابت الخائفين من المرأة بالذعر فتعلقوا بالقشور. الاحتفال العالي دولياً، عزز الوهم التقليدي بوجود مخطط جهنمي يسعى إلى انفلات المرأة وانحلالها. وهو على أي حال وهم مكرر لا جديد فيه، كان في زمن مضى ضد تعليم المرأة، ثم ضد توظيفها، ثم ضد حقوقها السياسية، وغير ذلك من القيود التي تتساقط بالتدريج.وهم وجود مؤامرة على المرأة، يمنع أولئك البشر من التمعن لوهلة في السعار حول العالم من قهر واستغلال جنسي واغتصابات في كل مكان، سواء كانت مجتمعات متقدمة أو متخلفة، وسواء كانت متحررة أو محافظة متزمتة.تحتفل الأمم المتحدة بيوم المرأة العالمي منذ 1977 ، أما وضعه الاستثنائي هذه السنة فقد جاء تفاعلاً مع حالة التعدي المفرط والاستهانة بالمرأة والكم الهائل من المعلومات حول الاعتداءات الجنسية التي شملت القوات الدولية والعاملين الدوليين، إضافة إلى العاملين في المجال الخيري، مستغلين فقراء ومهمشي البشر جنسياً.
ولعل حالات التعدي المشهورة، مثل المنتج الهوليوودي هارفي وينستين، وطبيب فريق الجمباز الأميركي لاري نصار قد أضافا أبعاداً إعلامية مهمة عززت حركتي "وأنا أيضاً" و"انتهى الوقت". إذا جاء الصخب هذه السنة بسبب وليس تقليدياً كما كان في السنوات الماضية. بل إن الأجندة المخصصة للدورة ٦٢ للجنة حالة المرأة التي ستعقد هذه السنة مخصصة للمرأة القروية التي يبلغ عددها ربع سكان العالم، وتعاني ما تعانيه من اضطهاد وحالة استلاب بعيداً عن الحقوق السياسية.هذه السنة مختلفة لأن الأحداث قد سلطت الضوء على أن حالة الاستلاب الكونية ضد المرأة أعمق وأكثر تعقيداً من الطرح التقليدي، ولتفتح الباب على مصراعيه لتكسير وهم التفوق التحرري في المجتمعات المتقدمة، ووهم التفوق الأخلاقي في المجتمعات المحافظة.أحداث هذه السنة التي تكشفت ضد المرأة أوضحت مدى هشاشة وضعها وحاجتها إلى مزيد من الحماية وعقاب المعتدين عليها في البلدان التي توهم البعض بأن قيم المساواة مع المرأة قد استقرت فيها حتى اتضح بشكل فاضح أن ذلك لم يكن إلا وهماً، فهي مضطهدة في الحالتين في بلاد تدعي الحرية والبلاد التي تزعم أنها محافظة، بينما تمارس اضطهاداً مركّباً يهيمن فيه الذكر دون حساب.هناك دول قليلة تقدمت فعلاً في تثبيت قيم كرامة المرأة، وعدم التهاون مع العدوان عليها، وهناك دول من العالم الأول، والغرب تحديداً، بحاجة إلى عمل الكثير للخروج من حالة النفاق العامة، والتي يتم التعامل فيها مع المرأة كشيء ما وجسد. وفي المقابل تكرس الدول، التي تتباهى بأنها محافظة وأن المرأة فيها جوهرة مكنونة، تشريعات تمييزية وعنفاً واعتداءات جنسية أكدتها كل الدراسات الجادة.الحملة زائدة عن وضعها هذه السنة، تأتي كصرخة ضد استمرار الانتهاكات لعلها تساعد في الخروج من حالتَي الإنكار والإقرار بالاضطهاد، والسعي إلى إيجاد حل حتى لا تتمادى الأمور.