رياح وأوتاد: الاستقطاب في المجلس ومعركة المساواة
المساواة بين الجنسين وموضوع الحريات وحقوق الطفل كلها شعارات تخفي الكثير من المضامين التي تختلف فيها الاجتهادات والأفهام والمواقف تبعا لذلك، فعلى سبيل المثال، وتحت شعار "المساواة"، جرت مظاهرة نسائية في تونس قبل يومين مطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، وقبل أسابيع اقترحت دول في أوروبا منع ختان الأطفال الذكور بإصدار قانون أوروبي موحد لذلك باعتبار أن هذا من حقوق الأطفال! وفي فرنسا قبل شهور قليلة تم توجيه الاتهام الجنائي لزعيمة المعارضة اليمينية لأنها استخدمت رسوماً وصوراً في تغريداتها تسيء إلى المسلمين، فلم تكن لها حرية مطلقة رغم هامش الحريات الكبير هناك.لذلك كنت أرجو أن يحل عندنا الطرح العلمي الذي يركز على المضمون بدلا من الشعارات المبهمة التي طغت على التراشق والتنابز النيابي النيابي حول شعار المساواة، الذي كان عنوانا لمبادرة دق الجرس للمساواة ببن الجنسين.هذا التراشق استخدمت فيه عبارات غير لائقة، وأتى بعض النواب بألفاظ لم تنبع من الدستور أو من القوانين الكويتية مثل القول "إن الكويت ليست دولة دينية" أو "إن الدستور الكويتي يعتبر الكويت دولة مدنية"، ولا يوجد في الدستور الكويتي أصلا هذه الألفاظ متعددة المعاني والمفاهيم مثل مدنية أو لا دينية، ولكن يوجد نصٌّ صريحٌ يقول إن "دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع".
ونصت المذكرة التفسيرية للدستور على أن هذا النص يحمّل مجلس الأمة أمانة الأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما وسعه ذلك، كما حسم الدستور موضوع الميراث فنص على أن الميراث تحكمه الشريعة الإسلامية، وقد تكون المفاهيم المتطرفة المُوغلة في انتهاك الشريعة غير واردة في أذهان كثير من المنادين بالمساواة بين الجنسين عندنا، ولكن وضع الاستقطاب الذي يعانيه المجلس الحالي جعل التنابز والرد على الآخر هو المسيطر على كثير من الحوارات التي استخدمت فيها شعارات غامضة بين النواب؛ دون بيان الموقف الفعلي من مضامين هذه الشعارات. ورغم أن الخلافات بين الكتل والطوائف كانت موجودة في المجالس السابقة فإنها لم تصل إلى الحد الحالي الذي أفقد المجلس ديناميكيته، فقد كانت كثير من المجالس السابقة يقودها الحكماء لتسير في اتجاه منتج في معظمه، وإن تخللته بعض الشوائب، ولكن في المجلس الحالي طغت الاستقطابات والصراعات على الإنجاز، وكأن كل عضو يخاطب جمهوره هو فقط لا الأمة بأسرها.هذا الاستقطاب ظهر في مناسبات عدة أولها كان معركة الرئاسة، وآخرها هو معركة المساواة وقرع الجرس، مروراً بقانون الجنسية واستجواب الوزيرة هند الصبيح، وقانوني سجن النواب والعفو الذي تجلت فيه ظاهرة الاستقطاب بشكل "يطز" العين.إن امتناع النواب عن التهديد والتخوين وعن الغمز واللمز بالآخرين أو طوائفهم أو عائلاتهم واللجوء إلى الطرح العلمي والأسس الدستورية من شأنه أن يختصر كثيراً من الخلافات إذا صلحت النيات، ووضعت المصلحة العامة قبل أي مصلحة لأي طائفة أو قبيلة أو عائلة أو حزب سياسي.فلننظر كيف حظيت المجالس السابقة في كثير من أعمالها برغبة تجمع بين الفرقاء، وتحرص على ألا تطفو الخلافات الفئوية على سطح أعمال المجلس، ولمسنا فيها حرصا على التطبيق السليم للدستور والمصلحة العامة، فرأينا مثلا 47 عضوا في مجلس 81 يتقدمون بطلب لتعديل المادة الثانية رغم اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم ودون تصعيد أو شتائم، وكذلك رأينا الراحلين المنيس والربعي وفيصل الصانع يصوتون بالموافقة على قانون تجريم التعرض للذات الإلهية والأنبياء والصحابة في مجلس 85 مع ما فيه من عقوبة السجن، وشهدنا مشاري العصيمي يصوت على تقديم الشريعة على العرف في المادة الثانية من القانون المدني في مجلس 92، وكذلك فإن هذا الشعور والتوجه الحسن دفع الحضور السنّة والشيعة والليبراليين إلى الموافقة بالإجماع على قانون منع الاختلاط، وهذه النزعة أيضا جمعت كل الأعضاء لإدخال تجريم التعرض لآل البيت في قانون المطبوعات الجديد عام 2006، وأيضا لم يُواجه قانون الزكاة بمعارضة تذكر بين الطوائف بعد أن وضع في صيغته الجديدة الحاليّه عام 2007.باختصار إن المطلوب من النواب هو حوار هادئ حول المضامين لا الشعارات وفق ميزان الشريعة كما جاء في الدستور وفي أسلوب علمي يهدف إلى المصلحة العامة، ويخلو من الغمز أو تعليق اليافطات بين مكونات الشعب التي تكون بمثابة السدود بين النواب أنفسهم وبين أبناء البلد الواحد أيضا.