عن الأوهام وتزييف الواقع
الوهم، كما السراب، هو تخيل شيء غير موجود على أرض الواقع، والتعامل معه وكأنه هو الحقيقة أو الواقع الفعلي، والإنسان الواعي لا يستسلم للأوهام، بل يبذل مجهودا كبيراً في معرفة الواقع وتحليله بموضوعية، والتعامل معه من دون أوهام أو تزييف. وعند النظر إلى واقعنا السياسي سنلاحظ أن هناك تزييفاً إعلامياً للوضع العام، وأوهاماً تروجها مؤسسة الفساد السياسي كي تترسخ في أذهان الناس وكأنها حقائق، وقد نجحوا في ذلك إلى حد ما مع الأسف، ومن ضمن الأوهام التي يجري تسويقها على أنها حقائق وهم أننا دولة ديمقراطية أو دولة مؤسسات دستورية وقانون، في حين أن الواقع الفعلي يبين أننا ما زلنا نتعثر في خطواتنا الأولى نحو النظام الديمقراطي، ونعيش في ظل وضع سياسي بعيد، كل البعد، عن قيم الديمقراطية الحقيقية، أي التداول الديمقراطي للسلطة التنفيذية، والتعددية، وفصل السلطات، والحريات، كما أن هناك فشلاً للدولة لا تخطئه العين في تطبيق مواد الدستور، وفرض سيادة القانون وتفعيل المؤسسات الدستورية، وتكافؤ الفرص بين المواطنين. أوهام أخرى يتم ترويجها أيضاً تتعلق بمجلس الأمة الذي يُنتخب أعضاؤه حالياً وفقاً لنظام انتخابي مُشوّه (عُشر صوت لكل ناخب!) وضعته الحكومة بمفردها مخالفةً طريقة إقرار النظم الانتخابية في الدول الديمقراطية الحقيقية، والتي تتم عادة عن طريق توافق وطني عام كي لا يفقد مجلس الأمة (البرلمان) طبيعته ودوره التشريعي والرقابي، فيصبح صورياً ويتحول إلى ما يشبه الجهاز الحكومي.
لهذا فإنه من غير الممكن أن نطلق على مخرجات نظامنا الانتخابي صفة التمثيل النسبي الديمقراطي الذي يحقق مشاركة شعبية حقيقية في الإدارة السياسية للدولة كما يتوهم البعض وتسّوق وسائل الإعلام، فنائب مجلس الأمة (البرلمان) يُمثّل الأمة بأسرها، أي أنه ينوب عن الأمة فيما يتعلق بمطالبها وشؤونها العامة، وهذا يتطلب حصوله على أغلبية أصوات القاعدة الانتخابية (50%+1) في الدائرة الانتخابية التي يُمثلها عضو واحد فقط، أو يتم انتخابه بنظام القوائم النسبية على مستوى الوطن، فهل من الممكن أن نطلق على أعضاء المجلس لدينا صفة نواب في حين أن كلاً منهم لا يُمثّل إلا ما نسبته 2% أو أقل من عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية، ومعظمهم مرشحو طوائف وقبائل وعوائل؟! أضف إلى ذلك أن الحكومة مُمثلة في المجلس رغم أنها مُعيّنة، وهي كتلة تصويتية كبيرة، إذ إنها تقوم بانتخاب رئيس المجلس ومكتبه ولجانه الرئيسة التي تراقبها، فهل من الممكن أن نقول إن مجلس الأمة في وضعه الحالي يُمثل الأمة مصدر السلطات جميعاً كما ينص الدستور؟والشيء ذاته من الأوهام ينطبق على ما يُسمى "معارضة"، ففي واقع الأمر ليس لدينا وضع سياسي يسمح بأن نطلق على أشخاص معارضين لبعض قرارات الحكومة وصف معارضة حقيقية. أما ما يُسمى "تنظيمات سياسية" فحدّث ولا حرج، إذ بإمكان أي شخص، في ظل الفوضى الحالية وغياب قانون إشهار الأحزاب، أن يوهم الناس أنه تنظيم سياسي مع أن التنظيمات السياسية لها مقومات وأسس مُحددة تقوم عليها، فليس كل مجموعة بشرية مهما كان حجمها تعتبر تنظيماً سياسياً.بناء على ما سبق، فإنه ينبغي تسمية الأشياء بمسمياتها الصحيحة، فهي الخطوة الأولى من أجل فهم الواقع وتغييره، إذ إن نسج الأوهام وقلب الحقائق وتزييف الواقع لا ينتج عنها إلا مطاردة السراب.