الخلافة الأموية والموجات الكارثية العظمى في حواضرها وانعكاساتها
صدر عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، كتاب “الطاعون في العصر الأموي: صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية”، يلقي خلاله الكاتب أحمد العدوي الأضواء على الأوضاع الديموغرافية في ذلك العصر، وانعكاساتها على النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في بلدان الدولة وأقاليمها، في الشام والعراق ومصر وشمال أفريقيا، أي حواضر الخلافة التي شهدت، موجات كارثية عظمى من الطاعون، أبرزها طاعون ابن الزبير الجارف، وطاعون مُسلم بن قتيبة الذي ختم عهد الأمويين.
يتألف كتاب «الطاعون في العصر الأموي: صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية» من ثلاثة فصول وخاتمة. في الفصل الأول، «الطاعون وعالم العصور الوسطى»، يناقش أحمد العَدوي مكانة الطاعون وتأثيره في أوجه الحياة في العصر الوسيط، كذلك يشتمل على نُبذة عن هذا الوباء القاتل، وأسباب فتكه بالناس على ذلك النحو المأساوي الذي تحدثت عنه المصادر القديمة. في الفصل الثاني، «فورات الطواعين في العصر الأموي»، يحصي المؤلف الطواعين الواقعة في عصر بني أمية، ويضبط تعاقبها زمنياً، تمهيداً لدراسة آثارها. كذلك يعرض لأخبار الطواعين في صدر الإسلام عند الرواة والأخباريين والمؤرخين، ويناقش الإشكالات التي تُحيط بها، وأبرزها اضطراب الرواة والأخباريين في إحصاء الطواعين في العصر الأموي، والخلط بينها أحياناً، والاضطراب في التأريخ لها على نحو دقيق. ويتضمن تقويماً إحصائياً لفورات الطواعين في عصر بني أميَّة منذ عهد معاوية بن أبي سفيان إلى عهد مروان بن محمد.
آثار ديموغرافية وسياسية
في الفصل الثالث، «الآثار الديموغرافية للطواعين وانعكاساتها على المجتمع والدولة في العصر الأموي»، يناقش العَدوي الكوارث الديموغرافية العنيفة التي تسبب بها الطاعون؛ وأهم ما تمخض على توالي فورات الطاعون في العصر الأموي، كان عزوف خلفاء بني أميَّة عن الإقامة في دمشق، فكان الخلفاء قبل هشام بن عبد الملك ينتبذون إلى البرية والصحراء، أو يقيمون في الأماكن المنعزلة كالأديار اتقاءً للوباء. يكتب العدوي: «ساهم الطاعون في تغيرات ديموغرافية مهمة، كان لها استحقاقاتها السياسية لاحقاً؛ إذ قامت الدولة بتهجير عدد كبير من الزنج إلى السَّواد بغرض ملء الفراغ الديموغرافي الذي كان الطاعون يتسبب به في تلك البقاع».في خاتمة الكتاب، يرى العَدوي أن من غير الممكن فهم تراجع ثقل دمشق، عاصمة الخلافة في العصر الأموي، وتفسير سلوك خلفاء بني أميَّة الرامي إلى هجرها والنأي عنها إلا في ضوء الطاعون، «إضافةً إلى أن الطاعون حسم معارك كبرى جرت في العصر الأموي، منها الاجتياح المظفر للإمبراطور جستنيان الثاني لأرمينيا في عقب طاعون ابن الزبير الجارف. أيضاً حسم الطاعون معركة مصعب بن الزبير مع عبد الملك بن مروان في البصرة التي مثّلت بداية النهاية لخلافة عبد الله بن الزبير».يضيف أن الطاعون حسم أمر سقوط الأموييين، «إذ أحسن الثوار العباسيون اختيار الوقت الملائم لإعلان ثورتهم بين طاعونين كبيرين أصابا الشام والعراق بين عامي 127 هـ/ 743 م و131 هـ/ 748 م، هما طاعون غراب وطاعون مسلم بن قتيبة. أدى هذان الطاعونان دوراً في نجاح العباسيين في إزالة دولة بني أمية، فكان طاعون مُسلم بن قتيبة في عام 131 هـ/ 748 م بمنزلة فصل الختام بالنسبة إلى الخلافة الأموية؛ إذ أسفر عن خسائر مادية وبشرية هائلة، أصابت قلب الدولة في عهد مروان بن محمد بصورة خاصة».
الطاعون حسم معارك كبرى في العصر الأموي