في دولنا النامية يمكن لأشخاص قياديين أن يقلبوا معادلة الفساد، ويغيروا حال دولهم من دول فاسدة متخلفة ترزح في الفقر إلى دول حكم القانون ومتقدمة، في دول الشمال الأوروبي، مثل النرويج والدنمارك والسويد، وهي الدول الأولى التي تتصدر النزاهة والشفافية، ومؤشر مدركات الفساد فيها الأقل بالعالم، وهي الدول التي شعوبها الأكثر سعادة في العالم، مؤسساتها التشريعية والقضائية تطورت على مر عقود طويلة من الزمن، وأضحت تلك المؤسسات حائلاً دون الفساد، واستغلال المنصب العام، في الدول النامية لم تكن فيها بعد الاستقلال تلك المؤسسات المتطورة، التي يمكن أن تقف كسد ضد طوفان الفساد، هنا يأتي دور القائد الملهم لشعبه والمخلص لقضية التنمية في بلده، ليبتر مواطن الضعف والفساد، ويخرج وطنه من عالم التخلف والبؤس إلى عالم التقدم. هذا كان رأي الباحث روبرت روتبرغ في كتاب "علاج الفساد".يستحيل أن تبحث في كتاب رصين عن محاربة الفساد لا تجد فيه اسم القائد السنغافوري الراحل "لي كوان هو"، وكيف حقق معجزة التنمية في بلده، أرض فقيرة تخلو من الثروات الطبيعية، مهددة من دول الجوار، وفي الداخل تتحكم فيها عصابات المافيا الصينية، في فترة بسيطة استطاع القضاء عليها تماماً، لم يبدأ "لي كوان" في حربه ضد الفساد من فراش البلدية، لم يشكل لجاناً وهيئات تدرس أسباب الفساد وتقدم تقارير تطوى في الأدراج، ابتدأ "لي كوان" من الأعلى، لعله من علمنا حكمة "تنظيف الدرج يبدأ من الأعلى"، في عام 75 حصل وزير البيئة "وي تون بون" هناك على خط رحلات لإندونيسيا، وشاليه من مقاول تطوير أراض، في الحال قام لي كوان بعزله من منصبه وقدمه للمحاكمة، وحُكم عليه بالسجن أربع سنوات.
النزاهة والشفافية لم تنزل من السماء في دول مثل سنغافورة، وإنما بعمل وجهد دؤوبين من قيادتها، قلب "لي" وطنه من ميناء بسيط إلى واحة موانئ المنطقة، وأصبحت سنغافورة "الدولة المدينة" رمزاً للنظافة والتقدم والنزاهة، ومات "لي" زاهداً لم يترك ثروة ضخمة لأسرته، لكنه ترك وطناً سعيداً يعد في المركز الرابع أو الخامس في مقاييس النزاهة والشفافية، ومثل سنغافورة هناك بتسوانا في إفريقيا، ودول مثل كوريا الجنوبية وغيرها.محاربة الفساد في دول الثروة الطبيعية الثرية مسألة صعبة، فثروة مثل النفط تخلق واقعاً ريعياً، العمل كأساس القيمة الإنسانية لا يعد مهماً، فالأنظمة الحاكمة توزع هذه الثروة الناضبة على المتحلقين حولها دون حساب، وتشتري بها الولاءات من الصغير والكبير، ليس المطلوب الجهد الإنساني والإخلاص لمستقبل الوطن، المهم أن يستغلوا الريح إذا هبت، وقد هبت الريح وطارت الجماعات الكبيرة بالثروات، أما الأكثرية من ضحايا الغد فوعيهم في الأغلب هو في حالة نوم وتغييب، فما شأنهم في قضايا المال العام طالما هم يعيشون لحظة الحاضر بخير؟ وإذا تحركت أي فئة واعية منهم تتم ملاحقتها بقسوة وبسيف القانون، أو يتم ليّ حكم القانون والشرعية كي يناسب الظرف السلطوي.في الكويت، للأسف الحكومة يبدو أنها منزعجة من مؤشر الفساد بأكثر من انزعاجها من واقع الفساد ذاته، وهنا تظهر المأساة في رؤية وتشخيص سرطان الفساد الذي تضرب جذوره في أعماق الدولة، فلا يبقى عندها غير الأمل بـ "لي كوان" كويتي كي يقلب هذا الواقع ويجتث خلايا السرطان من جسد الأمة... سيكون هناك ألم ومعاناة وتضحيات لكن لا بأس... للضرورة أحكام.
أخر كلام
بانتظار «لي كوان هو» كويتي
15-03-2018