رحل عبقري الفيزياء البريطاني، ستيفن هوكينغ، أمس، مخلفاً إرثاً كبيراً من المكتشفات والاختراعات، وفور انتشار خبر وفاته، سارعت مؤسسات أكاديمية وعلمية إلى نعي هذا العالم الفزيائي الذي قدّم آخر نطرية فاجأ فيها العالم تبدأ بما يورده وكأنه حقيقة لا لبس فيها، إذ كان يرى أن العدم كان موجودا قبل الانفجار الكبير.

وتقول النظرية إن الكون كله بدأ نقطة تتسع منذ ذلك الحين، خصوصا أن السبب الوحيد الذي يدفع هذا الكون إلى الشعور بأنه شاسع جدا، هو أنه استغرق 13.8 مليار سنة، ليصير على الشكل الذي نعرفه الآن.

Ad

وكانت للراحل آراء تثير الجدل في الدين والسياسة، ومن تصريحات هوكينغ المثيرة في عام 2015، أنه أمهل سكان الأرض 100 عام ليبحثوا عن ملاذ آخر غير الأرض، مطالبا البشر بالبحث عن كوكب بديل إن أرادوا الحياة، بسبب التغير المناخي والهجمات النجمية التي قد تستهدف كوكبنا، والأوبئة والتنامي السكاني.

وتنبأ بأنه يتعين على الإنسان ترك الأرض والتوطن في كوكب آخر بهذا الكون، أو على متن مركبة فضائية، مطلقا التحذير الآتي: «إن لم يصبح البشر جنسا متعدد الكواكب واستقر في عوالم أخرى، فقد تفنى البشرية في خلال القرن المقبل».

وفي يوليو 2017، حذر من أن البشرية ستدمر أرضها وتحولها إلى كرة نارية حارقة في غضون 600 سنة مقبلة، فارتفاع أعداد السكان وزيادة الطلب على الطاقة يؤديان إلى كارثة على كوكب الأرض تحوله إلى «كرة من اللهب»، بسبب ارتفاع الحرارة إلى 250 درجة مئوية، وتساقط المطر الكبريتي.

وفي نوفمبر الماضي، توقع أن تعجز الأرض عن تلبية متطلبات النمو السكاني ومواكبته بحلول عام 2600، معلنا أن عدد سكان الأرض يتضاعف كل 40 عاما. كما أن الاستهلاك المتزايد للطاقة سيغير لون كوكبنا من الأزرق إلى الأحمر.

تُوفي، أمس، عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ عن 76 عاما، وفق ما أعلنت عائلته.

وقد أصبح هوكينغ أحد أشهر شخصيات العالم، بفضل عبقريته العلمية وإعاقته الجسدية الكبيرة. وأصبح العالم نجما عالميا، بفضل كتابه (أيه بريف هيستوري أوف تايم)، الذي صدر عام 1988، وتربع في تصنيف أفضل المبيعات.

وقد كرَّس هوكينغ عمله لسبر أسرار الكون، وكان له معجبون عبر العالم من خارج الأوساط العلمية وفيزياء الفلك، بسبب عبقريته وحسه الفكاهي، وكان البعض يقارنه بآينشتاين ونيوتن.

وتوفي هوكينغ في منزله بمدينة كامبريدج الجامعية أمس.

وفي بيان صحافي، قال أبناء الراحل الثلاثة، وهم لوسي وروبرت وتيم: "نشعر بحزن عميق، لأن والدنا الحبيب توفي. لقد كان عالما عظيما ورجلا استثنائيا سيعيش عمله وإرثه لسنوات طويلة".

وكان هوكينغ يعاني التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض عصبي انتكاسي يصيب الخلايا العصبية الحركية لدى الشخص البالغ، وقد تسبب له بالشلل، وجعله لا يستطيع التكلم إلا بواسطة جهاز كمبيوتر بصوت اصطناعي تحول إلى سمة مميزة له.

قهر الإعاقة

ولم تمنع هذه الإعاقة هوكينغ من أن يصبح أحد أعظم العلماء المعاصرين ويتحدى التوقعات التي لم تكن تمنحه سوى بضع سنوات من الحياة بعد إصابته بالمرض العضال.

وقالت عائلته: "شجاعته ومثابرته ببراعة ألهمتا أشخاصا عديدين عبر العالم"، مشيرة إلى أنه قال يوما إن هذا العالم لن يكون بالشيء المهم لو لم يكن يضم الأشخاص الذين نحب. "سنشتاق إليه دوما".

شغف متواصل

وُلد هوكينغ باكسفورد في 8 يناير 1942، بعد 300 عام بالتمام على وفاة العالم الشهير غاليليو. وأصبح أحد عمالقة العلم.

وأتى الإعلان عن وفاته في الذكرى التاسعة والثلاثين بعد المئة على ولادة البرت آينشتاين.

ورغم إعاقته الكبيرة كان متقد الذهن، مع شغف متواصل بأسرار الثقوب السوداء. وقد ركز في عمله على الجمع بين نظرية النسبية ونظرية الكمية لتفسير نشوء الكون وكيفية عمله.

وهو قال في أحد الأيام: "هدفي بسيط، وهو فهم كامل للكون: لم هو على حالته هذه ولم هو موجود بالإطلاق؟".

لكنه كان أيضا مشاركا في الثقافة الشعبية مع ظهور له في أفلام مثل "ستار تريك: ذي نيكست جينيريشن" و"ذي سيمسونز"، فيما استعانت فرقة "بينك فلويد" بصوته أحيانا.

وتوالت الإشادات بهوكينغ من علماء عبر العالم.

وقد نعته وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) في تغريدة ناشرة شريط فيديو يظهره مبتسما فيما هو يسبح في ظل انعدام الجاذبية في رحلة بمركز كينيندي الفضائي في فلوريدا، متحررا من كرسيه النقال لفترة وجيزة.

وغرَّدت الوكالة: "نظرياته فتحت عالما من الإمكانيات نقوم والعالم بأسره بدراستها. نتمنى أن تبقى محلقا مثل سوبرمان في ظل انعدام الجاذبية كما قلت لرواد محطة الفضاء الدولية في عام 2014".

«ذي ثيوري أوف إفريثينغ»

تزوج هوكينغ عام 1965 من جاين وايلد، وأنجب منها ثلاثة أطفال، وكانت هذه العلاقة محور فيلم ناجح عام 2014 بعنوان "ذي ثيوري أوف إفريثينغ". وانفصلا بعد زواج دام 25 عاما، وتزوج هوكينغ بعد ذلك من ممرضته السابقة إيلين مايسن، لكن الزواج انتهى وسط ادعاءات بحصول إيذاء جسدي، إلا أنه نفى أن يكون تعرَّض لذلك.

وأصبح هوكينغ أصغر أعضاء "رويال سوساييتي"، وهي أعرق الهيئات العلمية البريطانية في سن الثانية والثلاثين.

في عام 1979 عُين أستاذا للرياضيات، وهو منصب تولاه نيوتن من قبله، في جامعة كامبريدج، التي انتقل إليها من جامعة اكسفورد، من أجل دراسة علم الفلك النظري وعلم الكونيات.

وكان هوكينغ متابعا للحياة على الأرض أيضا، وقد أعرب عن معارضته لانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ولتصويت بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي.

وهو لم يكن يخشى أن يواجه رجال الدين، معتبرا أن لا حياة بعد الموت في "ذي غارديان" عام 2011.

وأوضح: "عشت مع إمكانية الموت المبكر في السنوات التسع والأربعين الأخيرة. أنا لا أخشى الموت، لكني لست على عجلة من أمري. فلدي أشياء كثيرة أقوم بها أولا".

وأضاف: "انظر إلى الدماغ على أنه جهاز كمبيوتر يتوقف عن العلم عندما تتعطل مكوناته. فلا جنة ولا حياة بعد الموت للحواسيب المتعطلة: هذه قصة خيالية للأشخاص الذين يخشون العتمة".

في 17 فبراير 2014، وجّه هوكينغ نداء إلى العالم كي ينقذ أطفال سورية، الذين بينهم مَنْ تُبتر أطرافهم لعدم توافر أدوات طبية أساسية، فيما يقف العالم متفرجا.

وأضاف: "نرى في سورية التكنولوجيا الحديثة في شكل قنابل ومواد كيميائية وأسلحة أخرى، لتحقيق ما يسمى بغايات سياسية ذكية، لكن ليس ذكاء أن نشاهد مقتل أكثر من 100 ألف شخص أو استهداف الأطفال، بل يبدو الأمر غباء محضا، وحتى أسوأ من ذلك، عندما تمنع الإمدادات الإنسانية من الوصول إلى العيادات الطبية، وعندما تبتر أطراف أطفال بسبب الافتقار إلى معدات وأدوات طبية أساسية، ويموت رضّع حديثو الولادة في الحاضنات بسبب انقطاع الكهرباء".

وأكد هوكينغ حينها أن ما يجري في سورية منكر وبغيض يراقبه العالم ببرود. سأل: "أين ذكاؤنا العاطفي؟، أين إحساسنا بالعدالة الجماعية؟".

وشدد هوكينغ حينئذ على ضرورة العمل معا من أجل إنهاء هذه الحرب وحماية أطفال سورية، "فالمجتمع الدولي يقف متفرجا فيما يحتدم هذا الصراع مُجهِضًا كل أمل، وأنا بصفتي أبا وجدا أتابع عن كثب معاناة أطفال سورية، وعليَّ أن أقول: كفى!".

الرؤساء والمشاهير يرثون الراحل

عقب ذيوع خبر وفاة عالم الفيزياء البريطاني الشهير، ستيفن هوكينغ، حرص كثير من الرؤساء والمشاهير على تقديم رثاء أو شهادات بحق هذا الرجل الذي قدم إنجازات متنوعة، وفيما يلي أبرز التعليقات على وفاته:

• أبناؤه لوسي وروبرت وتيم:

"كان عالما عظيما ورجلا غير عادي، سيبقى عمله وإرثه لسنوات طويلة. كانت شجاعته ومثابرته مع التألق وروح الدعابة اللذين تحلى بهما مصدر إلهام للناس في أنحاء العالم. لقد قال يوما: "لن يكون للكون معنى ما لم يكن مقاما للناس الذين تحبهم... سنفتقده كثيرا".

• تيم بيرنرز-لي مخترع الإنترنت:

"فقدنا عقلا جبارا وروحا رائعة. ارقد بسلام يا ستيفن هوكينغ".

• البروفيسور ستيفن توب نائب رئيس جامعة كمبردج:

"كان البروفيسور هوكينغ شخصية فريدة، سنذكره دوما بحميمية وبحب ليس فقط في كمبردج، لكن في جميع أنحاء العالم. مساهماته الاستثنائية في المعرفة العلمية ونشر العلوم والرياضيات بين عامة الناس تركت إرثا لا يمحى. كانت شخصيته إلهاما للملايين... سنفتقده كثيرا".

• البروفيسور اللورد مارتن ريس، زميل كلية ترينتي، الأستاذ المتفرغ في الكونيات والفيزياء الفلكية في جامعة كمبردج:

"بعد أن التحقت كطالب دراسات عليا بجامعة كمبردج عام 1964 صادفت زميلا يسبقني بعامين في الدراسة، كان يمشي بخطوات مهتزة، ويتحدث بصعوبة كبيرة... كان هو ستيفن هوكينغ.

"عصفت المأساة بحياة هوكينغ حينما كان في الثانية والعشرين. أصيب بمرض قاتل، وتبددت أحلامه تماما. قال هو نفسه إن ما حدث بعد ذلك كان منحة. لكن حياته كانت مسيرة انتصار. سيخلد اسمه في سجلات العلم. لقد اتسعت الآفاق أمام الملايين بفضل كتبه الرائجة، كما استلهمت ملايين أخرى حول العالم من نموذج فريد للإنجاز رغم كل الصعاب - مظهر من مظاهر قوة الإرادة والتصميم".

• إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا):

"لقد طورت نظرياته عالما من الاحتمالات التي نكتشفها نحن والعالم. فلتواصل التحليق مثل سوبرمان في الجاذبية الصغرى، كما قلت لرواد الفضاء على محطة الفضاء الدولية عام 2014".

• تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا:

"كان هوكينغ عقلا متقدا استثنائيا، وواحدا من أعظم العلماء في جيله. شجاعته وروحه المرحة وتصميمه على أن يأخذ من الحياة أقصى ما يستطيع كانت مصدر إلهام... إرثه لن يغيب".