هل هي الحرب العالمية؟!
ماذا يعني التعيين المفاجئ لمدير وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) وزيراً لخارجية الولايات المتحدة وإقالة ريكس تيلرسون الذي مجّده الرئيس ترامب قبل سنة واحدة، واعتبره مهندس الخارجية الأميركية؟ وهل من علاقة بين التصعيد البريطاني غير المسبوق منذ أيام الحرب الباردة ضد روسيا بسبب محاولة اغتيال الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال وتعيين مايك بومبيو الذي يتقمص شخصية وكلام الرئيس الأميركي دائماً في كل مواقفه تجاه موسكو وطهران ودمشق وكوريا الشمالية والمحاباة غير المحدودة للكيان الصهيوني؟ وهل للغة الحرب التي لجأت إليها مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن ورد رئيس أركان الجيش الروسي الصريح في مواجهة أي عمل عسكري أميركي فوراً، علاقة بهذا التصعيد؟ وهل النتيجة المتوقعة لعودة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى قيادة مطلقة عبر صناديق الاقتراع عجّلت في استعداد الغرب لتحجيم الغول الروسي الجديد الذي كشف عن أسلحته الخيالية وقدرتها التدميرية؟ التطورات السريعة وذات الوتيرة المتصاعدة في ظل عودة تخندق المعسكرين الشرقي والغربي مجدداً وفي خضم حرب غير مباشرة في سورية تحمل دلالات خطيرة قد تبدأ بمواجهة مباشرة بين الطرفين على أرض سورية، ولكنها بالتأكيد لن تقف عند حدود جغرافية معينة.
قد يكون للصراع الروسي– الغربي بقيادة الولايات المتحدة جذوره ومبرراته التاريخية والموضوعية لما شهدته معادلات القوة على الخريطة العالمية التي كسب بوتين جل نقاطها على حساب ضعف الإدارة الأميركية في عهد الرئيس أوباما، فالنفوذ الروسي اليوم لا يقل عن مستوى مناصفة الاتحاد السوفياتي للهيمنة العالمية مع الولايات المتحدة، بل يتعزز الدور الروسي بسبب الخلافات الرئيسة التي بدأت تظهر إلى السطح بين أميركا وحلفائها الأوروبيين بعد تولي ترامب الرئاسة في واشنطن. ولكن الغريب في الأمر أن لغة التصعيد الأميركية تزامنت مع مؤشرات الحرب الاقتصادية التي بدأها ترامب نفسه في فرض ضرائب جمركية عالية على منتوجات الألمنيوم والصلب الواردة من أهم أصدقاء أميركا الأوروبيين، الأمر الذي اعتبره الاتحاد الأوروبي واليابان والصين بمثابة حرب تجارية وعدوان أميركي يجب الرد عليه دون هوادة.وفي عالم السياسة فإن التصعيد العسكري والأزمات الأمنية عادة ما تجبّ المشاكل الأخرى مهما بلغت حدتها ومن بين ذلك التصعيد الاقتصادي، ولذلك فإن الخطوة الأميركية الجديدة في قرع طبول الحرب مع روسيا، وإن كانت بمثابة مجازفة كونية، كفيلة بجعل أوروبا تنسى أو ترغم على نسيان أو تأجيل ما وعدت به من انتقام تجاري ضد واشنطن، وقد تكون عقدة تدخل الروس في انتخابات الرئاسة الأميركية ووصول ترامب للسلطة تلاحق الرئيس الذي تغيّر موقفه تجاه الروس بعد الانتخابات بشكل معاكس لآرائه أثناء الحملة الانتخابية.مهما كانت الأسباب فإنه من النوادر في التاريخ المعاصر أن تواجه الدول العظمى بعضها، وتحل خلافاتها وصراعاتها فيما بينها وبشكل مباشر في حرب مجنونة قد تكون منطقتنا سببها ونواتها، وستدفع ثمناً غالياً لنتائجها، لكن الكبار ودولهم سيتجرعون هذا السم نفسه وربما أكثر في سيناريو حرب عالمية لا تُبقي ولا تذر!