أرجوحة: لست بفاشل يا بنت
في نهاية المقال السابق "روح التحرير" تساءلت: لماذا لا نستغل أبناءنا الأفذاذ وقدراتهم وطاقاتهم الجبارة، في تطوير وطننا؟ واليوم أقدم قصة تمثل دليلاً واضحاً على ما نمتلك من قدرات وإمكانات تمكننا من تحقيق المستحيل وتجاوز الصعاب، فهم يحتاجون فرصة فقط، وإليكم قصة صديقي الغالي بتبسيط شديد لأن سطور المقال قد لا تكفيها ولا تحويها.قبل سنوات طوال في صيف 1987، وفي أول يوم عمل له كجندي على بوابة وزارة الخارجية، تقدمت سيارة فارهة داخلها امرأة وطفلها الصغير الذي لم يتجاوز سبع سنوات، تريد الدخول إلى الوزارة مع عدم وجود تصريح لها بالدخول، فما كان منه إلا أن طلب منها بأدب شديد الترجل من السيارة والدخول إلى الوزارة بقدميها، غضبت السيدة فاقترب منها حارسنا الأمين الطيب الهمام ليعتذر منها على عدم سماحه لها بالدخول تنفيذاً للأوامر، فما كان من السيدة إلا أن تجاهلته بصلف شديد، وهي تنظر لابنها الصغير وتقول له "إذا ما شديت حيلك في الدراسة تصير فاشل مثل الجندي الكحيان هذا"، وتشير بيدها باتجاه صديقنا الجندي، ونظراً لأننا في الكويت، لم يمر الموقف مرور الكرام، ففوجئ صديقنا العزيز بعقابه وحجزه ثلاثة أيام نظراً لمنعه السيدة الثرية من الدخول. من الطبيعي أن يكون هذا الحدث كافياً لتحطيم معنويات هذا الجندي الفاشل حسب وصف سيدة العز والدلال، وقتل كل حلم وطموح له في المستقبل؛ لكن صديقنا الجندي الفاشل؛ لم يكن ليسقط بسهولة، ولم يكن الموقف ليمر عليه مرور الكرام. مر الحادث ومرت العقوبة؛ ولكنها لم تمر على صديقنا مرور الكرام، فالفاشل أعلن العصيان والتمرد ليبدأ رحلته الطويلة لتحقيق الذات والطموح، استطاع الجندي الفاشل الذي يحمل شهادة الرابع متوسط أن يجتاز الثانوية العامة وبسنوات قصيرة متسارعة؛ وأكمل مشوار التحدي والنجاح وأنهى الجامعة بمعدل جيد جداً، ولم يتوقف قطار الجندي الفاشل فاستمر ليحصل على الماجستير بتقدير امتياز، والدكتوراه أيضاً بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى، فهل يتوقف قطار الجندي الفاشل؟
لا لم يتوقف القطار، ولم يتوقف طموح الجندي العظيم، فتقدم ليصبح ضابطاً في الحرس الوطني الذي كان جندياً فيه، ولم يوفق ولم تسنح الفرصة له في ذلك، فلم ييأس ولم يتوقف عن مشوار الاجتهاد والمثابرة، وما أقصه عليكم قرائي الأعزاء، ليس قصة للمعجزات؛ إنما هي قصة للتحدي والمثابرة ونموذج للجندي والمحارب الكويتي العظيم، لم يقبل الجندي العظيم الاستسلام، والتحق بما يمتلكه من قدرات وإمكانات عظيمة بالسلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية الكويتية– التي كان حارساً على بوابتها مدة ليست بالقصيرة- لكنه أكمل الطريق ليكون أستاذاً في الجامعة، ليجمع الجندي الفاشل بين أرقى وظيفتين كونه أستاذا جامعيا ودبلوماسيا يمثل وطننا العظيم الكويت.الجندي والدبلوماسي والأستاذ الجامعي العظيم الدكتور "نواف العبيسان"، لم تكن الظروف مهيأة له في بداية حياته، ولم تكن الأرض مفروشة بالورود؛ لكني شاهدته يوماً بعد يوم يحقق المستحيل ويتجاوز العقبات، ويصبح فخراً لوطني الكويت وهو يلقي خطاب الكويت في الأمم المتحدة. لله درك يا نواف، فكم أعطيت النموذج والمثل والقدوة لشباب وطلاب هذه الأمة، وكم كنت دائماً مثالاً يحتذى به لكل الذين تعرفوا عليك وتتلمذوا على يديك، لله درك يا أبا مشعل وأنت تحطم كل الحواجز والمسافات، وتسعد الناس بتواضعك الجم، وتسعد أبناءك الطلاب باستيعابك وصداقتك لهم، وكأنهم في حضرة الأب والمعلم والأخ الكبير والقدوة الحسنة التي لا يملون الجلوس معها والحديث إليها، لله درك يا أبا مشعل وأنت تعلمنا دروس الحياة في الصبر والمثابرة لتحقيق النجاح، فحتى حينما تتعرض للفشل في خطوة من الخطوات أو في مشروع من المشروعات نجدك مبتسماً ضاحكاً وأنت تقول "أنا لم أفشل بل زادت خبرتي وتوسعت مداركي واستفدت من أخطائي"، فما أعظمها من شخصية كويتية حقيقة تعبر عن الصمود والتحدي وتحويل الإخفاق إلى انتصار ونجاح.على هامش القصة:لا أنسى حزن أخي وصديقي نواف العبيسان، في اليوم التالي لموقف السيارة الفارهة، وكم أحس بالإهانة والظلم؛ وهو ما انعكس على سلوك "أبي مشعل"، فنراه دوماً يقف بصلابة في وجه الظلم والظالمين، مدافعاً عن المظلومين وعوناً لهم، مرت السنوات ولا نتذكر من الطرف الآخر للقصة إلا "السيارة الفارهة"؛ لكنك تبقى وستظل دوماً نموذجاً ومثالاً عظيماً للكويت وأجيالها القادمة يا أبا مشعل.