إقالة تيلرسون تدعم النفط عاجلاً... والنزعة القومية تهدده آجلاً
تصاعد الضغط على فنزويلا مفيد لخطة بيع حصة من «أرامكو السعودية»
السعودية وإيران هما الدولتان العدوتان الرئيسيتان في الشرق الأوسط، وسترحب الرياض باتخاذ واشنطن خطاً أكثر تشدداً ضد طهران، ومن خلال تعيين مدير الاستخبارات الأميركية مايك بومبيو خليفة لتيلرسون يبدو أنها حصلت على الرجل المنشود.
ارتبطت إقالة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون ببعض تعليقاته التي رددت صدى موقف الحكومة البريطانية، الذي اتهم روسيا بالوقوف وراء تسمم جاسوس روسي سابق في المملكة المتحدة. وكما هو معروف فإن روسيا دولة يرتبط الرئيس الأميركي دونالد ترامب معها بعلاقة مثيرة للاهتمام. ومن جهة اخرى، قال ترامب يوم الثلاثاء الماضي، إن الخلافات حول ايران كانت الباعث على تلك الخطوة. وهكذا قد تكون السعودية في واقع الأمر الطرف الرابح من قرار الإقالة – ولكن في المفهوم الأضيق فقط. السعودية وايران هما الدولتان العدوتان الرئيسيتان في الشرق الأوسط، وسترحب الرياض باتخاذ واشنطن خط أكثر تشدداً ضد طهران، ومن خلال تعيين مدير الاستخبارات الأميركية مايك بومبيو خليفة لتيلرسون يبدو أنها حصلت على الرجل المنشود. وفي شهر يناير الماضي مدد الرئيس الأميركي ارجاء العقوبات على إيران، بحسب خطة العمل المشتركة لعام 2015 المتعلقة بالاتفاق النووي، ولكنه أوضح أنه ليس راضياً عن الاتفاق، وأنه ينبغي أن يتم اصلاحه أو الغاؤه.
عجلة دبلوماسية
ومع حلول موعد نهائي جديد لإرجاء العقوبات في شهر المقبل، وتعيين أحد الصقور من أعداء إيران وزيراً للخارجية فإنه من المحتمل أن يبدأ الاتفاق النووي بالتفكك في فصل الصيف المقبل. وعلى الرغم من ذلك إذا كانت الساعة تدق بأصوات عالية حول مسمار عجلة دبلوماسية الشرق الأوسط يبدو أن أسواق النفط لم تسمعها يوم الثلاثاء الماضي:أسباب اللامبالاة
توجد عدة أسباب محتملة وراء هذه اللامبالاة، وأحد الأسباب الأكثر احتمالاً هو أنه، في الأجل القريب، تفضي الزيادة في امداد النفط من دول خارج منظمة "أوبك" الى تخفيف أي قلق أو خوف جيوسياسي. والسبب الآخر هو أنه فيما تؤدي اقالة تيلرسون الى دعم موقف الطرف المعادي لإيران، فإنها تظهر أيضاً الطبيعة الفوضوية في إدارة الرئيس ترامب بشكل يصعب معه التوصل الى أي استنتاجات حول اتجاه السياسة الأميركية ناهيك عن الرهان عليها. ومن غير الواضح أيضاً ما اذا كان الغاء الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران سيوقف انتاج النفط الإيراني، وكانت أوروبا مشترية كبيرة للنفط الإيراني منذ دخل الاتفاق حيز التنفيذ، كما أن مستوردات الصين من النفط الإيراني قفزت أيضاً – وقد استوردت أوروبا والصين فعلياً كل النفط الإيراني الإضافي منذ دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ.وأوروبا التي تستوعب في الوقت الراهن التعرفة المقترحة التي فرضها الرئيس الأميركي على واردات الصلب والألمنيوم وتعمل على صياغة تعرفة انتقامية خاصة بها قد لا تؤيد خط واشنطن على أي حال. وفي تلك الحالة، وفيما قد تتغير وجهة النفط الإيراني إذا انسحبت أميركا من الاتفاق النووي فإن الحجم المطلق سيظل هو نفسه. وبعد كل شيء فإن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق قد يدفع شركات النفط الأجنبية مثل "توتال" الفرنسية الى التفكير مرتين قبل أن تلتزم بمزيد من الاستثمارات في ايران (ومن المفارقة أن شركات النفط الروسية قد تتدخل اذا انسحبت شركات اخرى)، وينطوي هذا على أهمية، لأن وكالة الطاقة الدولية تتوقع زيادة ايران لطاقة انتاجها النفطي بنسبة 330 ألف برميل في اليوم حتى سنة 2023 أي نحو نصف الزيادة الصافية المتوقعة لمنظمة "أوبك" بصورة اجمالية.عقوبات أشد
وسيشكل اضعاف تلك الإمكانية انتصاراً إضافياً للمملكة العربية السعودية، ليس فقط بسبب حرمان عدوتها ايران من عوائد النفط، بل لأنه يعزز امكانية تشديد امداد الخام بحلول نهاية هذا العقد من الزمن.والجانب المفرح بالنسبة الى السعودية سيظهر اذا أفضى ذلك التطور إلى عقوبات أشد ضد فنزويلا التي يعارض بومبيو نظامها. وكما كتبت هنا فإن نجاح خفض إمدادات منظمة "أوبك" حتى الآن يعود بقدر كبير الى انهيار فنزويلا. وفيما لن تعلن الرياض ذلك صراحة مطلقاً فإن المزيد من الضغط على كراكاس سيكون نعمة بالنسبة الى السعودية وخطتها المتعلقة بعرض الاكتتاب الأولي لشركة أرامكو النفطية فيها. وتخفي هذه المكاسب –اذا كان بالإمكان اطلاق ذلك الوصف عليها– أخطاراً أكثر حدة بالنسبة الى أسواق النفط التي تعتمد عليها السعودية وروسيا والدول النفطية الاخرى.وأي مكافأة جيوسياسية تتعلق بالنفط ستصيب أيضاً شريحة المنتجين في الولايات المتحدة الذين تعمل حماستهم على شكل كابح للأسعار بصورة عامة. وستكون هذه هي الحالة اذا أفضى ذلك الى آجال أطول في مواعيد النفط، ما يؤدي الى دعم التحوط.وتتمثل القضية الثانية والأكبر في كيفية مطابقة اعلان يوم الثلاثاء الماضي مع التصعيد الأوسع في الوطنية الاقتصادية للادارة الأميركية. وحدث ذلك بعد وقت قريب من اعلان التعرفة استقالة غاري كوهن كبير مستشاري الرئيس للشؤون الاقتصادية. واذا كانت ثمة علاقة بين اقالة تيلرسون وتعليقاته عن دور روسيا في حادثة التسميم في المملكة المتحدة فإن ذلك سيبرز التصدع المتسع بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، وبكل تأكيد فإن ردة فعل البيت الأبيض على تلك الحادثة كانت متضاربة الى حد كبير. وعلينا ألا ننسى دفع ترامب المستمر نحو هيمنة الولايات المتحدة في عالم الطاقة.وفي نهاية المطاف فإن أسواق النفط العالمية هي نتاج التجارة الحرة كما هو الحال بالنسبة الى الكثير من الدول الآسيوية – ومنها الصين – التي تدعم نمو الطلب. ومضاعفات ما يطلق عليه "ريكزت" أي خروج ريكس تيلرسون قد تبدو داعمة لأسعار النفط حاليا، أما التداعيات الكلية فليست كذلك بكل تأكيد.