أحبطت لجنة الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة العرض الذي تقدمت به صانعة الرقائق في سنغافورة "برودكوم" بقيمة 140 مليار دولار، للاستحواذ على منافستها الأميركية "كوالكوم". وهذه اللجنة التي يرأسها وزير الخزانة ستيف منشن هي لجنة داخلية مهمتها استعراض عمليات الاستحواذ الخارجية على الشركات الأميركية. وخلصت الى استنتاج بأن الاتفاق المقترح "يهدد بإلحاق ضرر بالأمن القومي للولايات المتحدة".ولم يتم تحديد كيف يمكن لاستحواذ شركة في سنغافورة على شركة أميركية أن يلحق ضررا بالأمن القومي للولايات المتحدة. وسنغافورة شريك اقتصادي وأمني مهم للولايات المتحدة، وهي مقر رئيسي للقوات البحرية الأميركية للأعمال اللوجستية، وتستضيف بصورة منتظمة القوات البرية والبحرية والجوية الأميركية.
ورغم أن سنغافورة ليست من الوجهة الفنية دولة حليفة للولايات المتحدة فإن العلاقات الأمنية بين البلدين وثيقة جداً.وعلى الرغم من ذلك لم تقدم "برودكوم" على مغامرة، ومع توقعها لمقاومة من جانب لجنة الاستثمارات الخارجية شرعت في الواقع في عملية اعادة مقرها الرئيسي الى الولايات المتحدة. وكانت "برودكوم" تأسست من جانب أكاديميين في جامعة كليفورنيا – لوس أنجلس في عام 1991، وأصبحت شركة سنغافورية في سنة 2016 فقط بعد أن اشترتها شركة أفاغو تكنولوجيز التي تتخذ من سنغافورة مقراً لها، والتي حملت منذ ذلك الوقت اسم برودكوم. وقد سعت إلى ضمان حكم من لجنة الاستثمارات الخارجية عبر الإشادة بقرار ترامب حول الضرائب، والوعد بضخ مبلغ اضافي بقيمة مليار ونصف المليار دولار في أعمال البحث والتطوير في الولايات المتحدة.ولكن من دون طائل. حكمت لجنة الاستثمارات الخارجية ضد "برودكوم"، كما أن رفض الرئيس ترامب للاتفاق كان صريحاً بصورة خاصة، وقد أمر أن على برودكوم "أن تتخلى على الفور بشكل دائم عن الاستحواذ المقترح". وباستثناء حدوث معجزة فإن الاتفاق قد انتهى الى الأبد. وليس من الواضح على الاطلاق ما الذي يثير مخاوف لجنة الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة. وقد عارضت ادارة كوالكوم بشدة ذلك الاتفاق، ولكن تلك لم تكن مفاجأة. وعملية استحواذ غير ودية يمكن أن تقلب سنوات من العمل الجاد، وأن تفضي الى فقدان تنفيذيين من ذوي الرواتب العالية لوظائفهم. تمثل آخر حكم شهير للجنة الاستثمارات الخارجية في رفض العرض الودي من جانب شركة علي بابا بقيمة 1.2 مليار دولار لمزودة الدفعات مونيغرام، وكان الرفض منطقياً تماماً من حيث اعتبارات الأمن القومي: ذلك أن ترك شركة صينية مرتبطة بالحزب الشيوعي تسيطر على جزء من بنية تحتية أميركية للدفعات –حتى إن كانت صغيرة– سيشكل بكل تأكيد مجازفة ومخاطرة. ولكن "برودكوم" شركة سنغافورية وليست صينية وهي أميركية جداً في ثقافتها، كما أن معظم تنفيذييها إما من الأميركيين أو من ذوي التعليم الأميركي على الأقل. وما لم تتمكن لجنة الاستثمارات الخارجية من الوصول الى معلومات يفتقر معظمنا اليها لا يبدو أن هناك أي سبب للشك في "برودكوم".ولسوء الحظ، فإن قرارات الأمن القومي مثل الحكم الذي صدر عن لجنة الاستثمارات الخارجية دائماً ما تكون غامضة، وكل ما يمكننا عمله هو التكهن بالأسباب الحقيقية الكامنة وراء تلك القرارات. وفي حقيقة الأمر فإن "كوالكوم" شركة اتصالات مهمة ولكن وراء التزام غامض بإبقاء أميركا عظيمة ليس من الواضح لماذا لا تستطيع شركة أميركية لصنع رقائق لهواتف جوالة اقامة علاقات قوية مع شركة سنغافورية. وفي اقتصاد اليوم العالمي توجد طريقتان من أجل التأكد من أن شركة ما لا تهدد الأمن القومي الأميركي: التأكد من احتفاظها بأصول جوهرية في الولايات المتحدة والتأكد من ولاء الكثيرين ممن يديرونها الى الولايات المتحدة وينطبق الشرطان على شركة برودكوم.تستخدم الصين سياسة أمن من أجل تطوير قاعدتها الصناعية والأكثر شهرة بينها هي غريت فايروول اوف تشاينا، التي تستثني العديد من شركات الإنترنت الأميركية من المنافسة في الأسواق الصينية. ومع استراتيجيتها في التعرفة المتعلقة بالصلب والألمنيوم وأحكامها المتشددة عبر لجنة الاستثمارات الأجنبية تبدو ادارة الرئيس ترامب مصممة على عمل شيء مماثل في الولايات المتحدة. ولكن استبعاد "برودكوم" لن يحمي بالضرورة ريادة أميركا للتقنية.وادخال البعض من المعرفة السنغافورية قد يكون جيداً في الواقع بالنسبة الى وادي السليكون – وبدلاً من ذلك قد يتعلم شعب سنغافورة الدرس غير المقصود بأنه غير مرحب به في أميركا. ورحبت الصين بصورة نشيطة بالمعرفة السنغافورية منذ ثمانينات القرن الماضي، وسيكون من المؤسف أن تقيم الولايات المتحدة جداراً فيما تتعلم الصين تحطيم جدرانها.
اقتصاد
إحباط صفقة «برودكوم - كوالكوم» بداعي تهديدها بإلحاق الضرر بالأمن القومي الأميركي
17-03-2018