في الحادي والعشرين من شهر فبراير 1972 وصل الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون الى بكين للاجتماع مع الرئيس الصيني ماو تسي تونغ، وإنهاء عداوة استمرت 25 سنة بين الولايات المتحدة والصين، كانت التحضيرات لتلك الزيارة مضنية تماماً، وقد بدأ مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر قبل أكثر من ثلاث سنوات على ذلك الموعد بالتلميح إلى بكين بأن نيكسون قد يصبح الرئيس الذي يعيد العلاقات بين البلدين. وفي عام 1971 عقد كيسنجر اجتماعات سرية مع رئيس الوزراء الصيني شو إن لاي، وقد استمرت المفاوضات عشرات الساعات، وفي شهر يوليو من تلك السنة أعلن الرئيس نيكسون خطته لزيارة بكين، ولكن ذلك تطلب سبعة أشهر من الترتيبات الدبلوماسية قبل أن يتوجه أخيراً الى الصين في ما وصفه «الأسبوع الذي غير العالم»، وكان محقاً في ذلك.
وبالمقارنة تم طرح قرار الرئيس دونالد ترامب للقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون خلال لحظات فقط، ودهش الكثير من الدبلوماسيين من الإعلان عن القمة الرئاسية من دون المراحل المعتادة من محادثات ذات مستوى أدنى تسبقها، ولكن أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية أبلغ الصحافيين عن سعادة البيت الأبيض للابتعاد عن القواعد العادية في دبلوماسية التعامل مع كوريا الشمالية، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة انخرطت منذ سنة 1992 في محادثات مباشرة مع كوريا الشمالية على مستوى أدنى، وأنا أظن أن التاريخ يتحدث عن نفسه في هذا الشأن».وقد يحاول ترامب تحقيق اختراق في العلاقة مع كوريا الشمالية، كما فعل من قبل نيكسون المعروف بعدائه للشيوعية، وهي خطوة كانت محتملة منذ انتخابه لرئاسة الجمهورية في الولايات المتحدة، وفي مقالة نشرت قبل سنة في مجلة الشؤون الخارجية كتب جون ديلوري، وهو خبير لدى جامعة يونسي في سيئول، يقول «سواء أحببنا ذلك أم لا فإن السلاح النووي في كوريا الشمالية حقيقة واقعة، والولايات المتحدة في حاجة الى استراتيجية جديدة من أجل التعامل مع كيم جونغ أون، وترامب في موقع ملائم لتحقيق ذلك الهدف»، وبحسب البيت الأبيض فإن القمة سوف تعقد «بحلول شهر مايو» تاركة نافذة ضيقة من أجل حل ثلاثة أسئلة رئيسة هي:على صعيد رسمي سيتمثل الهدف الأميركي في تلك القمة في ضمان اتفاقية ثابتة، تؤكد تخلي كوريا الشمالية عن برامجها النووية، ولكن لا يوجد محلل جاد يعتقد أن بيونغ يانغ على استعداد لتفكيك ترسانتها النووية في وقت قريب؛ لأنها حجر الزاوية في الدعاية التي تستخدمها عائلة كيم من أجل إقناع الشعب الكوري الشمالي بأنها تستحق البقاء في الحكم، وإذا تخلت بيونغ يانغ عن ترسانتها النووية غداً فإنها ستصبح نسخة هزيلة من كوريا الجنوبية، وهي حقيقة ستقوض بصورة جدية حديث العائلة عن أحقية السلطة. وتستخدم كوريا الشمالية طريقة غامضة إزاء دفع الرئيس الأميركي إلى اجتماع قمة، وبمجرد جلوس الأطراف إلى طاولة المفاوضات ستكون في حاجة إلى تحديد خطوات واضحة يمكن تحقيقها من أجل ضمان عدم العودة من دون نتائج ملموسة.
أين وماذا وكيف؟
بحسب التعابير التلفزيونية فإن القمة ليست استعراضاً واقعياً، بل هي دراما مرسومة ومحددة، وخلال ساعات بعد إعلان البيت الأبيض حرص المسؤولون على مناقشة مسألة ما إذا كان ترامب سيدعو الزعيم الكوري الشمالي إلى إجراء محادثات في الولايات المتحدة، وسيكون من المدهش أن يقبل كيم جونغ أون مثل تلك الدعوة. ومنذ وصوله إلى السلطة في سنة 2011 لم يغادر الزعيم الكوري الشمالي بلاده، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى خوفه من حدوث انقلاب عليه أو محاولة لاغتياله، وعلى سبيل المثال فقد أوفد شقيقته لحضور الألعاب الأولمبية في كوريا الجنوبية وكانت أول فرد من العائلة تزور ذلك البلد. ومن هذا المنطلق قد يكون المكان المحتمل لعقد القمة هو بانمونجوم وهي قرية مقسمة على الحدود بين الكوريتين، وسبق أن شهدت محادثات قادة الشطرين في الماضي، وقد يوجه كيم جونغ أون الدعوة الى ترامب للاجتماع في بيونغ يانغ، لكن لن يكون من الحكمة أن يقبل الرئيس الأميركي بذلك، وقد تعلم قادة الدول الأجنبية أن تكريم ترامب بالسجادة الحمراء ومظاهر الاحتفال الأخرى يمكن أن يصرفه عن هدفه المرسوم، ولكن ذلك يجب تفاديه مع كوريا الشمالية التي سعت منذ عقود من الزمن إلى حضور رئيس أميركي إليها، ونظراً لأن البيت الأبيض استجاب إلى طلب عقد قمة رئاسية فإن عليه أن يجد طريقة لتحويل تلك المبادرة الى تنازل مماثل.وتستطيع الولايات المتحدة– على سبيل المثال– أن تصر على قيام كوريا الشمالية بإطلاق سراح ثلاثة من الرعايا الأميركيين المسجونين في ذلك البلد، وستشكل عودتهم إلى الوطن الخطوة الطبيعية الأولى نحو وضع شروط عقد قمة مثمرة.الخطة «ب»
بعد الإعلان عن الاجتماع قال مساعد وزير الخارجية السابق دانييل راسل إن أحد الأخطار الرئيسة يكمن في اجتماع الزعيمين في بداية المحادثات لا في نهايتها، لأن طرح السلاح الأقوى لا يترك فرصة أخرى للعملية الدبلوماسية، ثم ما الذي يتبقى إذا اجتمع ترامب مع كيم جونغ أون وانتهى ذلك إلى فشل؟ وعلى شكل تحوط إزاء ذلك الاحتمال يمكن للجانبين تأجيل الالتزام الثابت بنزع السلاح النووي، والتركيز على هدف يمكن تحقيقه بسهولة أكبر مثل الاستمرار في الاتصالات، ولن يرضي ذلك الصقور في البلدين ولكن رمزية الاجتماع في حد ذاتها يمكن أن تجعله مثمراً وإيجابياً.عوامل العزلة والفشل
قد يكون من السهل التقليل من أهمية ما تشعر به كوريا الشمالية من عزلة وفشل، وهي توجه التهديدات والتعابير الغريبة عن العدوان طوال معظم فترات القرن الماضي، وقد أدى ذلك دوراً يفوق ما أدركناه نحن في الغرب. وخلال رحلة نيكسون إلى الصين توقف في المطار لمصافحة شو إن لاي، وقد ساعد ذلك على إصلاح شعور الصين القديم بالإذلال والمهانة من جانب الغرب. وفي سنة 1954 وفي مؤتمر في جنيف تجاهل وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالس المعادي بشدة للشيوعية مصافحة رئيس الوزراء الصيني، ولم يغفر رجال السياسة في الصين تلك الحركة، وقال شو إن لاي لنيكسون «مصافحتك كانت أكبر من عالم شهد 25 سنة من غياب الاتصالات».