كان لدى أغلبية الأكراد أمل كبير في أن أكراد العراق وسورية سيتمتعون بمستقبل سياسي أفضل بعد هزيمة تنظيم «داعش» في الموصل والرقة، حيث نجح الأكراد في منع الإرهاب العالمي من الانتشار، ولم ينتظروا شيئًا في المقابل، بل أملوا في أن تُحترم حقوقهم الأساسية كأمّة. وقد أشيد بجهود قوات البيشمركة و»وحدات حماية الشعب». وأمل كل كردي ولا يزال يأمل ألّا يغدر به المجتمع الدولي، فهل سيتم التخلي عن الأكراد بالرغم من كل كفاحهم ضد الإرهاب العالمي حتى يتمكن الناس من التنقل في المترو والرقص في حفلة موسيقية أو التمتع بمباراة كرة القدم في لندن وباريس وواشنطن أو ستوكهولم؟

ومع ذلك، أخشى أن يكون لدى الأكراد أسباب للخوف من حصول ذلك مرة أخرى، فبعد أربع سنوات من الحرب ضد «داعش»، لم يحقق الأكراد أحلامهم، بل يشعر كل كردي بقلق كبير الآن على أكراد سورية لأن كارثة استفتاء إقليم كردستان لا تزال حاضرةً في أذهانهم. وإذا كان الأكراد لا يستطيعون الاعتماد على الدعم الخارجي، فربما ينبغي أن يعتمدوا أكثر على مغتربيهم للحصول على مشورة حكيمة في التعامل مع كثير من المعضلات الأجنبية والمحلية.

Ad

عاد بعض الخريجين والسياسيين والمثقفين الأكراد المندثرين في الشتات إلى إقليم كردستان بعد عام 1992 لأنهم رأوا إمكانيةً للمساعدة في بناء دولة كردية. ولكن عندما عادوا، بدأت الحقائق تنجلي. فإن وجودهم في «أرض المعركة « يختلف كليًا عن العمل من أجل كردستان من الخارج وكذلك الأمر بالنسبة إلى الصراعات التي قد يُحتمل حدوثها. واشتكى كثيرون من هؤلاء المتطوعين من أن لا أحد أصغى إليهم أو أخذ بمشورتهم، وقرّر قسم كبير منهم العودة.

ليست الأحداث الأخيرة مشجعة في هذا الصدد، حيث تجاهلت «حكومة إقليم كردستان» النصائح الخارجية وسارعت بإجراء استفتاء بشأن الاستقلال في 25 سبتمبر 2017، لكنّ الفرحة لم تدم طويلا. أصيب الاكراد بالصدمة حين خسرت «حكومة إقليم كردستان» كلّ المناطق المتنازَع عليها التي استعادوها من «داعش» على مدى السنوات القليلة الماضية.

وكتب وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون المقال رسالةً وديةً للغاية إلى الرئيس الكردي بارزاني عن الدولة الكردية المستقلة. وطالب تيلرسون «حكومة إقليم كردستان» بتأجيل الاستفتاء لمدة عام واحد فقط بسبب الحرب ضد «داعش». ومن المحتمل أن بارزاني إمّا لم يقرأ أو أنه لم يفسر هذه الرسالة بالطريقة الصحيحة، وإذا كانت الولايات المتحدة غير مستعدة لدعم استفتاء الأكراد، فكان ينبغي أن يأخذ بارزاني ذلك في عين الاعتبار.

وحتى العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق لم يتم التفكير فيها مليا من الاكراد، فالحقيقة هي أن الولايات المتحدة، شئنا أم أبينا، تملك أجندةً خاصة بها وتريد أن يعاد انتخاب رئيس الوزراء العراقي الحالي حيدر العبادي في أبريل 2018 لأن منافسه نوري المالكي يميل أكثر إلى تلبية رغبات إيران من العبادي. فكيف يمكن لسياسي شيعي عراقي الفوز في الانتخابات بعد أن كان قبل بدولة كردية مستقلة قبل أشهر قليلة؟

لم تكن أيضًا الاستعدادات المحلية جاهزة لإجراء الاستفتاء الكردي، وحتى في العاصمة السويدية ستوكهولم، حيث أعيش، كنت أسمع يوميًا أن الأعضاء الرئيسيين في «الاتحاد الوطني الكردستاني» وحزب «كوران» (التغيير) لم يقدموا دعمهم الكامل للاستقلال الكردي. ولم يكن سرا أن «الاتحاد الوطني الكردستاني» عقد اجتماعات عدة مع ممثلين عراقيين وإيرانيين، وكانت النتيجة أن قوات البيشمركة التابعة لـ «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني» لم تطلق رصاصة واحدة في كركوك عندما وصلت الميليشيات الشيعية إلى هناك، وعندما رأيت قوات البيشمركة الكردية تبكي خارج كركوك، فهمت أن حلم استقلال كردستان تم تأجيله.

ومن أهم تداعيات الاستفتاء الكردي تقليص حجم إقليم كردستان بشكل كبير، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدخل الناشئ عن صادرات النفط، وانخفضت ميزانية بغداد المخصصة للأكراد إلى 12 في المئة، وتم منحها للمحافظات الكردية، لا لحكومة كردستان الاتحادية.

التشابه مع موقف الأكراد في سورية

وكان للاعتماد المفرط وغير الجدير بالثقة على القوى الخارجية، آثاره السلبية على الأكراد في سورية المجاورة اليوم، كما أن «حزب الاتحاد الديمقراطي»، وهو أكبر وأقوى حزب، والذي يسيطر على جزء كبير من سورية، لم يسمح له بعد بالمشاركة في محادثات السلام السورية في جنيف. إن المصير النهائي للأكراد في سورية هو بين أيدي روسيا والولايات المتحدة، ولا يستطيع سواهما التوصل إلى اتفاق يسمح ببناء دولة فدرالية كردية في سورية وإذا أراد الأكراد في سورية تأسيس دولة اتحادية أو أن يصبحوا دولةً مستقلة، فيتعين عليهم بناء مؤسساتهم وإرساء الديمقراطية من خلال نظام متعدد الأحزاب. كما هو الحال في العراق.

التغيرات المنتظرة في إيران

ومع ذلك، وعلى المدى الطويل، قد تقدّم التغييرات في إيران بعض الأمل للأكراد هناك، وكذلك في العراق وسورية المجاورين، حيث اندلعت احتجاجات ومظاهرات عدّة في كلّ مدينة وبلدة في إيران في ديسمبر 2017 ويناير 2018. ولم يحتج المتظاهرون على أسعار المواد الغذائية أو المشاكل الاقتصادية أو حقوق الإنسان الأساسية فحسب، فقد أظهروا علنا كراهيتهم تجاه إدارة آية الله. كما طالبوا بإصلاح سياسي في إيران يقوم على نظام علماني، وقد خفتت الاحتجاجات في الوقت الحاضر ولكن قد تنشب مرةً أخرى بسبب الاستياء العارم.

فإذا أخذت السياسة المنحى العلماني، فقد تتغيّر موازين القوى في جميع أنحاء الشرق الأوسط وبين المنافسة الشيعية السنية. وفي حال حصل هذا التغيير، فسيُسرّ القادة السياسيون في إقليم كردستان والمناطق الكردية في سورية، فضلا عن سكانها، وإذا ضعفت إيران فسيضعف العراق وسورية أيضا. وستزداد احتمالات استعادة كركوك والمناطق المتنازع عليها في كردستان العراق بشكل كبير، وقد يعني ذلك أيضا أن الأكراد في سورية سيصبحون قادرين على أن يكونوا دولة اتحادية من دون سفك الدماء. ومع ذلك، فإنّ هذا الأمل البعيد، الذي يعتمد على احتمالاتٍ هشة وبعيدة عن التغيير الجوهري داخل إيران، بمثابة شهادة على المصير المزعج جداً للأكراد في كل من سورية والعراق اليوم.

* نوريل - أحد خبراء الشرق الأوسط الرائدين في السويد

* باكسي- كاتب وصحافي وخبير في علم الاجتماع، فاز بجائزة «أولوف بالمه» عام 1999.