لم ينتهِ عهد ريكس تيلرسون في وزارة الخارجية بضجة كبيرة بل بجو من الحيرة، لكن عملية إقالة المسؤولين هذه بالتحديد سبق أن عُرضت في أواخر شهر نوفمبر، لذلك يجب ألا تفاجئ كل مَن شعر بالدهشة، ولا شك أن كل مَن فوجئ في هذه المرحلة بطبيعة عروض تلفزيون الواقع التي امتازت بها عمليات إقالة الموظفين هذه يعيش في واحة معزولة أرغب حقاً في زيارتها بعد انتهائي من كتابة هذا المقال.

ولكن لديّ الآن خمسة ردود فعل مباشرة تجاه هذا الخبر.

Ad

1- لم يكن ريكس تيلرسون يملك الحدس السياسي الأكثر سوءاً في إدارة ترامب:

يُعتبر ميل تيلرسون الأولي إلى زيادة الوقت الذي يمضيه مع ترامب منطقياً، نظراً إلى أنه لم يحظَ بأي علاقة شخصية سابقة معه، وهكذا شكّل تيلرسون المكابح التي ضبطت غرائز ترامب الأكثر سوءاً: الانسحاب من، اتفاقيات باريس لتغير المناخ، الرغبة في تقويض الصفقة النووية الإيرانية، والتردد في منح الدبلوماسية فرصة في شبه الجزيرة الكورية. يعدّ وزير الدفاع جيم ماتيس رجل السياسة الأكثر كفاءة في وزارة ترامب، وقد بنى علاقة وطيدة مع تيلرسون. ولم يخطئ تيلرسون في تفكيره أن من الممكن إصلاح وزارة الخارجية.

2- شكّلت هذه خطوة ضرورية بالنسبة إلى ترامب:

تُعتبر المصداقية عملة الدبلوماسي الأكثر أهمية، لذلك إذا قال إن أمراً ما سيحدث ثم ناقضه رئيسه، فهذه مشكلة. قوّض ترامب مصداقية تيلرسون في مناسبات عدة، كذلك ساهمت حملة التسريبات المستمرة في وسائل الإعلام عن أن تيلرسون سيُقال قريباً في زعزعة موقفه أكثر، وببسيط العبارة، إذا التقى رئيس حكومة أجنبية تيلرسون، هل يأخذ تطميناته على محمل الجد؟

من الجلي أن مايك بومبيو يتمتع بعلاقة أقوى مع ترامب، كذلك أعرب عن إخلاص علني أكبر له، ولا شك في أن هذه العلاقة ستمنح بومبيو مصداقية أكبر كوزير خارجية عندما يتحدث إلى محاوريه الأجانب.

3- سيرتكز إرث تيلرسون على واقع أنه وزير الخارجية الأقل فاعلية في التاريخ المعاصر:

سبق أن كتبتُ الكثير عن عدم كفاءة تيلرسون وعدم فاعليته كوزير خارجية، فقد تراجع تأثيره في الإدارة بمرور الوقت، وعُطّلت خطته المقترحة لإعادة تصميم وزارة الخارجية وخُربت بقوة، فضلاً عن ذلك، أدى سوء إدارته وزارة الخارجية إلى رحيل عدد من المسؤولين المخضرمين العاملين في السلك الدبلوماسي وانهيار معنويات الدبلوماسيين المتبقين. كذلك بدا تيلرسون عاجزاً عن زيارة منطقة من دون التفوه بما قد يهين مضيفيه. ما من فكرة مميزة أو عقيدة أو إنجاز يستطيع تيلرسون الإشارة إليها والادعاء أنها تشكّل جزءاً من إرثه. كان غير مستعد البتة لهذا العمل منذ اليوم الأول وبالكاد حقق أي تقدّم خلال الفترة التي أمضاها في وزارة الخارجية، وهكذا حدّ عدم كفاءته من قدرته على الترويج لأي ميل سياسي يستحق العناء.

حاول بيتر بايكر وغاردنر هاريس تلطيف كلامهما في المقال الذي نشراه في «نيويورك تايمز» عن عهد تيلرسون في وزارة الخارجية. كتبَا: «لكن الجزء المحير حقاً من عهد تيلرسون سوء إشرافه على وزارة الخارجية، فبصفته مديراً تنفيذياً سابقاً عريقاً، ساد الاعتقاد أن مهاراته الإدارية تشكّل أبرز أصوله». إلا أنه أخفق في الإسراع في اختيار فريق من القادة الموثوق بهم، ترك الكثير من أقسام وزارته المهمة من دون توجيه، وشلّ بالكامل عملية اتخاذ القرارات في الوزارة.

بالإضافة إلى ذلك، وافق على لقاء عالمي مغلق واحد في واشنطن قبل ثمانية أيام فقط من عقده، ما أدى بالتالي إلى مشاركة عدد محدود جداً من القادة من حول العالم. علاوة على ذلك، قلما شارك تيلرسون في اجتماعات شاملة مع عدد كبير من كبار دبلوماسييه وأخفق غالباً في استشارة خبراء وزارة الخارجية بشأن الدول التي يخطط لزيارتها.

أكد الدبلوماسيون الأجانب، وعلى رأسهم البريطانيون والفرنسيون، أن تيلرسون لم يعاود الاتصال ولم يحدد لقاءات سابقة مع نظرائه مخطراً إياهم قبل وقت كافٍ، كذلك أنهيت حوارات استراتيجية مع أمم عدة، من بينها قوى مسلحة نووياً مثل باكستان، من دون أي تبرير أو توضيح».

نعيش في زمن يفتقر إلى الصواب السياسي، لذلك لنكن صريحين: شكّل تيلرسون وزير خارجية مريعاً وغير كفء، وإذا أخبرك أحد بالعكس، فهو يحاول خداعك.

4- أمام بومبيو فرصة ليكون وزير خارجية أفضل:

على وزير الخارجية الكفء أن ينمّي روابط مع أهم المساهمين كي يحقق النجاح في عمله: البيت الأبيض، الوزراء الآخرين، الكونغرس، البيروقراطية، ومجتمع السياسة الخارجية الأشمل.

كما أشرتُ سابقاً، يتمتع بومبيو بعلاقة قوية بالرئيس وسبق أن خدم في الحكومة والكونغرس، صحيح أن البيروقراطية قد تنظر بعين الريبة إلى شخص يملك تفضيلات سياسية مماثلة (سنستفيض في شرح هذه النقطة لاحقاً)، ولكن أمام بومبيو فرصة ليبرز نواياه الحسنة بالاكتفاء بتزويد الوزارة بفريق العمل الملائم والدفاع عن ميزانيتها بشكل أفضل بقليل من تيلرسون.

أما مجتمع السياسة الخارجية، فهذا أمر مفروغ منه لأن...

5- السياسة الخارجية الأميركية ستزداد تشدداً:

يُعتبر بومبيو أكثر تشدداً من تيلرسون في مجموعة من المسائل السياسية، وخصوصاً إيران. جاءت إقالة تيلرسون بعد رحيل غاري كون، ما يعني أن عدد الأصوات التي تنادي في إدارة ترامب بفوائد النظام الدولي الليبرالي تراجع بصوتين.

من المستحيل من جهةٍ أن يكون بومبيو وزير خارجية أكثر سوءاً من تيلرسون، لكنه قد يبرهن من جهة أخرى أنه وزير خارجية أكثر خطورة بتعزيز غرائز ترامب الأكثر تشدداً.