لام اللهُ مَن لامكم!
إذا كان نصف أعضاء حكومة دولة الكويت وزراء بالوراثة، والنصف الآخر بالمصادفة والمواءمة، فإن معظمهم منذ خروجهم إلى وجه الدنيا وملعقة الذهب لم تفارق أفواههم، ومتاعب الحياة التي واجهتهم لا تتعدى بعض التأخيرات عن الوجبات، أو المواعيد البسيطة هنا وهناك، وأنا منذ تعلمت المشي لم أتوقف، بل زاد ركضي مؤخراً وراء متطلبات الحياة الكريمة، خوفاً من التأخر عن القادرين على منعها عني، وإذا كان معظمهم يرفل بثياب العز بين القصور، والبيوت الفارهة، والأراضي الشاسعة، والعطايا الخاصة، فمحسوبكم مازال اسمه خالداً في قوائم منتظري الرعاية السكنية، بينما الإيجار يلتهم نصف راتبي الشهري، الذي يهدد وزير ماليتكم بسن "موسه" عليه! وأنتم -رعاكم الله- إذا أصابت أحدكم كحة بالخطأ، أو إنفلونزا لا تعرف الأصول -لا سمح الله- لاستقبلتكم أرقى مستشفيات الدنيا بصدر رحب، والدواء جاهز قبل الفلعة، أما أنا إذا أصبت بأحد الأمراض، وما أكثرها، فمنذ مراجعتي الأولى بالمستوصف حتى تحديد موعد زيارة المستشفى الحكومي المختص يكون المرض قد تغير أو زاد بأكثر من معدلات الفائدة المحددة من البنك المركزي، وإذا كنتم تسيرون بالشوارع في مواكب تسهل دربكم، وتخفف عنكم وعثاء التنقل وكآبة المنظر، فأنا العبد لله أودع أهلي وداع المفارق قبل أن أخرج، فتأكل عمري زحمة الشوارع ما بين "باص" نقل عام يريد افتراسي، وتاكسي جوال يمتص صبري واحتمالي، وما بينهما الكثيرون ممن يحاولون طعني بالخاصرة، أو تزويدي بعاهة مستديمة تسليني لبقية عمري. وأشك شكاً يصل إلى حد اليقين بأن أحدكم قد أتم بنفسه يوماً ما معاملة حكومية في أي إدارة من إدارات الدولة، فلهذا الأمر الجلل خلق المندوبون ووكلاء الوزارات، بينما محدثكم الصابر لأمر الله أكثر إنسان في جيله واجه في مسيرة حياته نفسيات صغار الموظفين المريضة المختبئة خلف مقولة "السيستم خربان" بنكهة البطاط والباذنجان، مع إطلالة خجولة لدقوس أبوديك في الركن البعيد الهادي من وراء الملف الأسود الحزين، أما إذا قررتم أن تسافروا يا محفوظي السلامة فبكم وبأمثالكم تزهو قاعة التشريفات والطائرات الخاصة، فأنتم أهلٌ لها وهي أهلٌ لكم، أما أنا الفقير لله فأدعو ربي دعاء السفر في البيت خوفاً من المطار لا الرحلة، فقد اعتدت أن أقضي وقتاً لإنهاء إجراءات السفر أكثر من السفر ذاته. ثم بعد كل ذلك إذا رأيتم أنه من الطبيعي أن تعبروا عن مشاعركم إزاء تراجع الكويت في مؤشرات مدركات الفساد الصادر من برلين بالاستياء فقط، فلابد إذن على أمثالي ممن عايش وتأقلم وتكيف مع هذا الفساد في بلد المنشأ أن يحرق نفسه مثل "البوعزيزي"، ليعبر عن مشاعره الدفينة...عطوني الچبريت بس