العراق: «جيوش إلكترونية» تخوض حروباً ضارية قبل الانتخابات
أنصار المالكي وفصائل «الحشد» الأقوى والأكثر تنظيماً
لا يستبعد المراقبون صحة خبر نشرته صحيفة عراقية أخيراً يفيد بأن «فيسبوك» المحلي شهد ظهور نحو سبعة آلاف صفحة جديدة مخصصة لتسخين السباق الانتخابي قبيل اقتراع مايو المقبل، ومحاولة التأثير على رأي 11 مليون مستخدم عراقي فعال حسب الإحصاءات الرسمية لموقع التواصل الاجتماعي المذكور.وإذا كان التنافس بين الطوائف على أشده في تجارب الانتخاب السابقة، فإنه أصبح اليوم أكثر داخل الطائفة نفسها، فالقوى الشيعية تنقسم تقريباً بين رئيس الحكومة حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، بينما تنقسم القوى السنية- ولو نظرياً- بين الحزب الإسلامي (إخوان العراق) ومنافسيه قوميين وعلمانيين، بل إن العلمانيين والشيوعيين بدلاً من أن يدخلوا في مواجهة مع الإسلاميين، انقسموا داخلياً بقوة بين متحالف مع التيار الديني ومتبرئ منه.أما أكبر وسيلة في هذه الصراعات داخل الطوائف والتيارات، فلم تعد الصحافة التقليدية التي باتت تفتقر إلى التمويل وتموت منابرها تباعاً، حيث بات «فيسبوك»، الأكثر شعبية في البلاد، ساحة صراع سهلة وغير مكلفة، ولا تتقيد بظروف وسائل الإعلام ولا قواعد عملها.
ويقول صحافيون وناشطون، إنهم يتلقون دعوات لقيادة مجاميع إلكترونية تتكون عادة من مراهقين لا يتطلب عملهم سوى كتابة الشتائم واللعنات والاتهامات داخل حقل التعليق في منشورات الخصوم، بينما يوجد صنف آخر من المجاميع الإلكترونية أكثر تدريباً يصوغ أفرادها مواقف وخطابات من شأنها تهييج الجمهور ضد القوى المنافسة.ويفيد هؤلاء بأن الأكثر تمويلاً وخبرة تلك المجاميع المقربة من المالكي، الذي يتهم بأنه بنى ثروة معتبرة مستفيداً من انتعاش سوق النفط في عهده، إلى جانب ميليشيات الحشد التي تتقن استثمار الحماس الشبابي على «فيسبوك» وتتحدث بثورية يتفاعل معها الجمهور المنزعج من فساد طبقة المسؤولين والأحزاب المخضرمة.ورغم انحسار نفوذ الميليشيات على الأرض إلى حد كبير مقارنة بلحظتها الذهبية عام 2015، إثر استعادة الجيش لهيبته التي قيدت دور الحشد الشعبي، فإن العلاقات المالية لهذه الأطراف بطهران وبرجال أعمال فاسدين مناهضين لحكومة العبادي، تتيح لهم هيمنة واضحة في العالم الافتراضي، مما اضطر العديد من الأصوات المعتدلة إلى الصمت في أحيان كثيرة، خشية موجات اللعن والتهديد التي تلاحق المقالات الداعمة لسيادة الدولة ضد فوضى السلاح.ورغم أنه الأوفر حظاً في تقديرات الاقتراع المقبل، فإن الأوساط المطلعة تذكر أن فريق العبادي يبدو الأقل نفوذاً في معركة الجيوش الإلكترونية حتى الآن، لافتقاده الخبرة المضاهية في هذا النوع من التعبئة، ولنقص الموارد المالية لديه، حيث يراهن بالدرجة الأساس على تعاطف تيار من صانعي الرأي مع عدد من إنجازاته التي خففت نسبياً الاحتقان الطائفي في البلاد، وتعاونه المثمر مع المجتمع الدولي لتقوية المؤسسة العسكرية بعد انهيارها عام 2014.ولا تختلف الساحة السنية كثيراً عن نظيرتها الشيعية، بل تستعر حرب تخوين واتهامات بلا نهاية على «فيسبوك»، طرفها الأول رجال أعمال أثرياء متهمون بالفساد ولا يمتلكون مشروعاً سياسياً يُذكَر، وطرفها الآخر القوى التقليدية التي تحاول مراجعة خطابها السياسي، والانخراط في تفاوض مع بغداد على حكم لا مركزي وظروف استقرار تمنع عودة التمرد المسلح، بينما تنقسم هذه القوى بدورها أيضاً بين من يؤمن بتطبيع سريع مع القيادات الشيعية وتنازلات متواصلة حتى لطهران، ومن يعتقد أن الحوار ينبغي أن يكون بين طرفين قويين، وأن تُحسَب التسويات بدقة وحذر، وهو مدخل يفتح الباب على مصراعيه أمام موجات تخوين واتهام تتصاعد على «فيسبوك» كلما اقتربنا من يوم الاقتراع.