لو تتبعنا أسباب جنوح البعض إلى التزوير أو البحث عن مخارج سهلة للوصول لجدنا في قوانيننا وإجراءاتنا دافعا رئيسا لضعاف الضمائر والكسالى للوصول الى مبتغاهم، فنحن من شجعهم على ذلك بإصدار قوانين وإجراءات غبية أدت إلى ازدياد جرائم التزوير والتعدي على المال العام والخاص، وسأضرب هنا بعض الأمثلة:
1- تسعير الشهادات: الدولة سنت منذ بداية تأسيس نظام شؤون الموظفين قوانين، وتبعتها كثير من الشركات والمؤسسات العامة والخاصة، فقررت لكل مستوى دراسي مرتباً، وحددت له درجة في الكادر العام للحكومة ولحقها الآخرون، ولم نحدد مستوى التعليم أو قوة وإمكانية المعهد أو الجامعة التي يتخرج منها أبناؤنا، ولكي تحصل على درجة خريج جامعي كل ما عليك هو إبراز شهادة جامعية: فتساوى خريجو الجامعات المرموقة بخريجي الجامعات المغمورة، وتساوى المجدّ والمبدع بالكسول والغشاش ومشتري الشهادة، وتساوى تعيينهم فتبارى الكسالى ومن يريدون الوصول بأي طريقة مع من بذلوا الجهد وحرثوا ليتخرجوا من كبريات الجامعات. وأعطينا علاوة لكل درجة دراسية إضافية فتسابق هؤلاء يبحثون عن الجامعة الأسهل أو مكاتب تزوير الشهادات العليا، حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وأصبح لدينا موظفون مزورون أو خريجو جامعات لا قيمة أو وجود لها، ولم نعد قادرين على معالجة المشكلة. 2- إجراءات الوزارات: بينما تقدمت كل دول العالم تأخرت الكويت كثيرا في إجراءاتها وخدماتها، وأصبح إنجاز معاملة في معظم دوائر الحكومة من أسوأ ما يمكن أن يمر عليك في حياتك، وأدى هذا التعقيد إلى فتح أبواب الرشوة والسرقة، فالكل يريد تحاشي هذا لكم الهائل من الطلبات والتردد على عشرات المكاتب لإنجاز مهمة سهلة يمكن إنجازها إلكترونياً أو من خلال موظف واحد معدٍّ إعداداً جيداً وله الصلاحيات لاستكمال معاملتك. يسعى الناس الآن إلى مكاتب تخليص المعاملات التي يتولى معظمها شراء ذمم موظفي الدولة وتخليص المعاملات دون أن يشعر صاحب المعاملة أنه خالف القوانين: مجرد إغفال للضمير ليتولى المخلص عملية الرشوة وتزوير المستندات وإرضاء جميع الأطراف، فلولا تعقيدنا للإجراءات لما حدث كل هذا، ولنا في دول الجوار مثلٌ أعلى لو أردنا الإصلاح. 3- شروط وزارة التجارة: أساليب التجارة تغيرت بالكامل، وأصبحت التعاملات إلكترونية، واستخدام وسائل الاتصال الحديثة هي المتبعة؛ ولذلك فإن شرط وجود مكتب لكل فرع في أي شركة لم يعد له ما يبرره إلا مصلحة أصحاب العمارات. فالناس ينجزون أعمالهم من بيوتهم أو وهم في إجازة في أي مكان من العالم، والوجود الفعلي لمكتب وموظفين وشرط المطافي والبلدية والرقم المدني للمكتب وغيرها من إجراءات التعقيد لم يعد لها مكان في تجارة اليوم وإدارة الأعمال، ولكن الإجراءات فتحت الباب للتلاعب والتزوير أيضاً. 4- شروط العمل والإقامة والقيادة: تشترط الدولة راتبا معينا للوافد لكي يحضر عائلته أو للحصول على رخصة قيادة السيارة، وغالبا ما يكون المرتب المطلوب أعلى بكثير من راتبه الجاري، وأدى ذلك إلى أكثر حالات التزوير في البلد، وأعتقد أن المسؤولين يعرفون أن الرواتب المسجلة لديهم لا تمثل الحقيقة، لكن صاحب العمل مضطر لهذا لكي يضمن وجود الموظف في مكتبه في المواعيد المحددة للعمل. وأمام إلحاح الموظف في إحضار زوجته وأطفاله لا يجد صاحب العمل بداً من تسجيل راتب يخالف الحقيقة، ونعلم أن هذا يحدث وبكثرة، لكن لا أحد يحاول مواجهة المشكلة بحلول لا تؤدي إلى التزوير، وتحمي الأطراف من المشاكل القانونية التي قد تنشأ بعد فترة بين صاحب العمل والموظف.5- العلاج وصرف الأدوية: الكويت تخالف قوانين كثيرة تتعلق بالمساواة وحقوق الإنسان، خصوصاً ما تعلق بالعلاج في مستشفيات الحكومة، وقد خرجت أصوات كثيرة تنادي بالتمييز بين المواطن والوافد في مكان العلاج، ووقته وكمية الدواء الذي يصرف ونوعه، فالوافدون يعملون في الكويت بناء على عقود، وبقدمون خدمات للبلد، بل إنهم يؤدون أسوأ الأعمال التي لا يقبل بها المواطن، فكيف نحرم الوافد من العلاج الكامل والمساواة مع المواطن تماما. نحن هنا لا نوزع علاوة خاصة للكويتيين، لكننا نواجه حاجة إنسانية لا يجوز حرمان إنسان على أرضنا منها، وإذا كان هناك خلل في نظام الدخول وصرف الأدوية فليعدل النظام شاملا كل المرضى دون تمييز، فلا يفضل وافد على مواطن بالواسطة، ولا يميز مواطن على وافد لمجرد أنه مواطن، فالحالة الصحية وخطورة الحالة وحاجة المريض لسرعة العلاج هي التي تحدد الأولوية لا جنسيته، فالمخالفات والتجاوزات لها حل آخر ليس من بينها التفرقة. 6- الأمثلة كثيرة على سوء القوانين واللوائح والإجراءات وجرائم التزوير والنصب تتزايد بسببها، ونحن تنقصنا الرؤية الصحيحة والجرأة على قرار الإصلاح.
مقالات
قوانين وإجراءات تدفع للخطيئة
18-03-2018