«استياؤكم» قهرنا!
مانشيت عريض وغريب صبحتنا به الصحف قبل أسبوع "الحكومة مستاءة من تراجع ترتيب الكويت عالمياً في مؤشر مدركات الفساد"، وقد حاولت مرة تلو أخرى أن أستوعب معنى هذا المانشيت، وإن كان المقصود به حكومة دولة الكويت أم حكومة دولة أخرى، ثم ثبت لي يقيناً أنه فعلا يخص حكومتنا الموقرة ما غيرها.الحقيقة لم أتوقف عن التفكير ههنا، فقد حاولت أيضاً استيعاب معنى "استياء" الحكومة من فضيحتنا العالمية هذه، وأين سيصل بها هذا الاستياء، فهل سيقدم الوزراء استقالتهم احتراما لسمعة الكويت أم ستتم إحالة جهات ما في الدولة إلى التحقيق أو غربلة القيادات "المعششة" في المؤسسات الحكومية المسؤولة عن تراجع الكويت في مؤشر الفساد، أم سيقوم مجلس الأمة بعقد جلسة خاصة لمناقشة هذا التراجع المسيء لسمعة الكويت سياسياً واقتصادياً وتجارياً، ولكني كنت مخطئاً إذ تبين أن الحكومة استاءت فشكلت لجنة، وهو الأسلوب الكويتي المتبع في حل المشاكل، وهو سبب رئيس لاستمرار الفساد وتناميه وتدهور الأداء الحكومي منذ عقود مضت.
من محاسن المصادفات أنه في اليوم نفسه لنشر خبر استياء حكومتنا الموقرة من إنجازها الجديد وفضيحتنا الدولية في تراجعنا بمؤشر الفساد العالمي (١٣-٣-٢٠١٨) نشر خبر صغير في صحفنا المحلية أيضاً عن اليابان باعتذار رئيس الحكومة اليابانية للشعب هو ونائبه الأول واستقالة مسؤول ياباني وانتحار مسؤول آخر بعد أن تم الكشف عن قضية فساد (واحدة) فقط تم فيها محاباة زوجة أحد المسؤولين في عقد استئجار مباني للحكومة اليابانية، ويا للهول إن قضية فساد (واحدة) فقط سببت كل هذة الربكة والاضطراب في اليابان، وخلخلت النظام السياسي عندهم، واضطرت رئيس الحكومة ونائبه للاعتذار احتراماً للشعب وتقديراً لواجباتهم وإحساساً بالمسؤولية العظيمة التي يحملونها بخلاف استقالة وانتحار آخرين، فيا ترى لو أصابهم ما أصابنا فكم مسؤولاً يابانياً سيبقى على قيد الحياة؟ خطورة شعور الحكومة بالاستياء بعد تقرير مكافحة الفساد في أنها تظهر لنا حجم غيابها عن واقع الإدارة العامة في الكويت، وخطورة شعور الحكومة هذا في أنه يكشف لنا أنها لا تقرأ تقارير أجهزتها الرقابية عن اللعب والعبث بمقدرات الدولة، وخطورة شعور الحكومة أنه يكشف عدم استيعابها لنقمة المجتمع وانكساره من الفساد الحقيقي بيننا، وخطورة شعور الحكومة هذا أنه يكشف أنها لا تسمع ولا ترى ما يقال لها في جلسات مجلس الأمة، ويكتب في الصحف وينشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وخطورة شعور الحكومة هذا أنه يظهر للعلن أنها لا تحس بمعاناة المواطن، ولا تدري ماذا يجري في البلد. يا ليت أن الحكومة سكتت ولم تبلغنا باستيائها، والله كانت المصيبة أهون. وللحديث بقية والله يعوض علينا.