الأدباء والشعراء... مرآة لحياة أمهاتهم

يرصدون عبر نتاجهم تفاصيل راسخة في الوجدان ومستقرة بالذاكرة

نشر في 21-03-2018
آخر تحديث 21-03-2018 | 00:03
يستلهم الأدباء والشعراء تفاصيل نتاجهم الأدبي المهدى إلى أمهاتهم من تجاربهم الشخصية، فيمنحون هذا الخطاب لمسة وفاء للأم، مستذكرين ملامح من مواقف لها لا تبرح ذاكرتهم ومستقرة في نفوسهم. يرسمون ألوان العطاء والبذل والتضحية عبر حكاية أو نص شعري، مركزين على انتقاء مفردات مفعمة بالعاطفة ومنسجمة مع شكل العلاقة الخاصة جداً بين الابن وأمه.
ينتقي الشعراء والكتاب مفردات تحفر مكاناً متفرداً في الأعماق والذاكرة، وترصد وجداناً حقيقياً لا يحتاج إلى من يشعل فتيله بين حين وآخر لأن الدافع للكتابة مشاعر غير مفتعلة بل تنبع من أعماق الإنسان، ويأتي الكلام متدفقاً بلا تقنين. وبرغم كل ما كُتب عن عاطفة الأمومة الجياشة وتضحياتها وكل ما سيكتب... فلا ينكر أدباء ومشاهير أن علاقاتهم بأمهاتهم لم تكن مثالية. بل صرحوا بمواقف صعبة جداً عن هذه العلاقة وتحلوا بصراحة وشفافية ووضوح لتدوين هذه الأحداث.

كشف الأديب يوسف إدريس أن والدته كانت تعامله بشدة وصلت في بعض الأوقات إلى القسوة لأنها كانت تريده دائماً متفوقاً. أما الأديب محمد الماغوط فوصف والدته بالصرامة والقوة والصلابة لكنه اعترف بأنه أخذ منها الحس الساخر والصدق بالمشاعر، كذلك منحته القدرة على المضي بعيداً لتحقيق الحلم، فكل شيء لديها كان قابلاً للتنفيذ ما دام وُجدت العزيمة والإرادة والرغبة الحقيقية. وبوجود هذه المعطيات لن تستطيع العقبات تعطيل حلمها أو التأثير فيه.

وعلى النقيض من ذلك، نجد أدباء اعترفوا بالفضل الكبير لأمهاتهم بما وصلوا إليه. فأديب نوبل نجيب محفوظ اعتبر أن أمه كان لها دور كبير في حياته إلى ما هنالك من علاقات أخرى تتأرجح بين المثالية أو المضطربة بين الطرفين.

الأم المثالية

ضمن هذا السياق، ترفض الأديبة ليلى العثمان اللجوء إلى الترميز أو التلميح أثناء الكتابة عن الأم، مشددة على ضرورة المكاشفة لتحديد شكل هذه العلاقة بين الأم والأبناء، موضحة أن التركيز على الأم المثالية فحسب لا يتقاطع مع الواقع، لأنها كائن من لحم ودم وتتأثر بالمواقف ولها مشاعر متنوعة، فأحياناً تعتلي محياها الابتسامة وتكاد تطير فرحاً في حين تعيش لحظات من الحزن والأسى والوجع. لذلك ترى أن تقديم الأم بمختلف أشكالها يقترب أكثر إلى الحقيقة أو الواقع.

وتشير العثمان إلى أن للأم حضوراً خاصاً في الكتابة، فهي تستحوذ على حيز كبير من ترجمة الشاعر عبر نتاج أدبي أو فني، إذ لكل مبدع سواء كان كاتباً أو شاعراً أو موسيقياً أو تشكيلياً طريقة ينتهجها في نقل ما يعتمل في صدره.

وفي أعمالها جسدت العثمان أنماطاً مختلفة للأم، فكانت القاسية في «فتحية تختار موتها»، والأم المكافحة في «وسمية تخرج من البحر»، وغيرها من شخصيات قدّمتها عبر نتاجها الأدبي الضخم.

تجربة مغايرة

في نموذج مختلف، يسرد الأديب واسيني الأعرج تجربة مغايرة لكنها هذه المرة ليست من وحي الخيال أو إحدى شخصيات أعماله الأدبية، بل نموذج واقعي. روى حكاية والدته التي تجرعت عذاب الفقد وقسوة المأساة وصعوبة المسؤولية حينما استشهد والده تاركاً أعباء إعالة خمسة أطفال في عهدتها، فكان عليها أن تكون الأب والأم معاً، فكانت تعمل وتربي في آن لتسد الفراغ الذي خلفه غياب زوجها.

خبز أمي

في مجال الشعر، ومن أبرز القصائد عن الأم التي تلهج بها الألسنة ويتغنى فيها كثيرون في هذه المناسبة، قصيدة الشاعر محمود درويش «إلى أمي»: أحن إلى خبز أمي/ وقهوة أمي ../ ولمسة أمي ../ وتكبُر في الطفولة/ يوماً على صدر يوم/ وأعشق عمري لأني إذا مت،/ أخجل من دمع أمي!/ خذيني، إذا عدت يوماً/ وشاحاً لهدبُك/ وغطي عظامي بعشبٍ/ وشدي وثاقي.. بخصلة شعرٍ/ بخيط يلِّوح في ذيل ثوبك.

بهجة الحياة

وفي إطار قصائد الأم، كتب الشاعر وليد القلاف مجموعة نصوص مهداة إلى الأم منها قصيدة « أُمّاهُ» التي يفوح من مفرداتها شذى السعادة والحب والسرور، مطرزاً نصه بابتسامة لا ترتسم على الشفاه بل تستقر في القلب، ويقول فيها:

أُمّاهُ يا بهجة الحياة

وبسمة القلب والشِّفاه

لولاكِ ما أشرق الهدى

ولا رأي خافقي مناه

أُمّاهُ يا أُمّاه

أُمّاهُ يا أُمّاه

عِطرُ الرُّبي أنت والجِنان

وما أراه من الأمان

بالله جودي وَعَطِّري

بالحبِّ قَلبي وبالحنان

أُمّاهُ يا أُمّاه

أُمّاهُ يا أُمّاه

فكم رسمت ابتسامتي

وصُغْتِ معنى سعادتي

في الليل لا يَعْرفُ الكَرى

عينيك من أجل راحتي

أُمّاهُ يا أُمّاه

أُمّاهُ يا أُمّاه

أنا من الحب لا أرى

إلاك صدراً مطهراً

فكحِّلي مقلتي التي

منك ارتدت حُلَّة الكَرى

أُمّاهُ يا أُمّاه

أُمّاهُ يا أُمّاه

شجرة الدفء والحنان

أما الشاعر رجا القحطاني فيكتب عن الأم نصاً جميلاً بعنوان «شجرة الدفء والحب» يتحدث عن عاطفة الأمومة المتدفقة التي تأتي موجة حنان، وأخرى رحمة، وثالثة صبر وجلد، ورابعة شوق، وخامسة... وفي ما يلي نقتطع هذه الأبيات:

أَينْسى الأمُ من نَسِي الحنانا

أجل فحنانها أسمى مكانا

برحمتها قس الرحمات عمقا

تجدها أعظم الرحمات شانا

تُكابد قسوة الآلام صبرا

وقد عبث الجنين وما استكانا

ولا تشكو الزمان لما اعتراها

وكل مكابد يشكو الزمانا

قبيل مجئيه احتضنته شوقا

فكيف بها إذا جاء احتضانا

وليس الانتظار يطول

لكن تلهفها يطول به أوانا

كأن فؤادها صحراء حزن

فحين أطل أمطرها افتتانا

كأن ليالي العمر اكتئاب

بمولده تراءت مهرجانا

تقدر نعمة الوهاب قلبا

وتحمده على النعمى لسانا

الأديبة ليلى العثمان ترفض التركيز على الأم المثالية فحسب
back to top