لمَ يتعاطى بوتين مع بريطانيا باحتقار؟
طوال عقدَين وافقت المؤسسة البريطانية على غض الطرف عن مصدر أموال الروس: كيفية سرقة الأموال النقدية من الدولة، وإعادة تدويرها في الغرب، ومن ثم استعمالها لإيصال بوتين وزملائه في جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق KGB إلى السلطة، وفي المقابل أنفق الروس مبالغ كبيرة من المال في بريطانيا فاستفاد البريطانيون.
![واشنطن بوست](https://www.aljarida.com/uploads/authors/862_1719164326.jpg)
قامت هذه العلاقة على تواطؤ مذهل، إذ شهدنا عام 2006 تعويم لندن لروزنفت، وهي شركة نفط بُنيت بأصول مسروقة من شركة نفط أخرى اعتُقل مالكها وأُرسل إلى السجن في سيبيريا، وحذّرت النشرة الإعلانية المشترين المحتملين من المخاطر: "قد تولّد الجريمة والفساد جو أعمال صعباً في روسيا"، لكن عملية البيع تمت، وعادت بالمكاسب على مَن نظموها، ورسّخت مبدأ: قد يصبح ما سُرق مشروعاً طالما أن هذه العملية تحظى بموافقة المؤسسة المالية في لندن. لكن هذه العلاقة بلغت اليوم أدنى مستوياتها، فقد صُدم البريطانيون أو بالأحرى "صُدموا صُدموا"، عندما اكتشفوا أن كل العملاء الروس يتعاطون مع بريطانيا بأسرها كلندنغراد، فقد استخدموا للمرة الثانية، على ما يبدو، مادة كيماوية خطيرة في محاولة لقتل أحد المواطنين الروس على أرض بريطانية. لا تدرك تيريزا ماي مدى عمق هذه المشكلة: أن الحكومة الروسية تتعاطى مع بريطانيا باحتقار لأن الحكومة الروسية تظن أنها اشترت النخبة البريطانية، ففي اليوم الذي أدلت به ماي بخطابها، أصدرت غازبروم، شركة طاقة تملكها الدولة وتشكّل مصدر ثروة الكثير من القادة الروس، سندات أوروبية لثماني سنوات بقيمة مليار دولار، ونشرت السفارة الروسية تغريدة ذكرت فيها أن عملية البيع هذه التي تنظمها غازبروم تشهد اكتتاباً مفرطاً، مضيفة عبارة "العمل كالمعتاد؟". كذلك باعت الحكومة الروسية بحد ذاتها سندات أوروبية بقيمة سبعة مليارات دولار.بعد ظهر اليوم ذاته، فتحت الشرطة في لندن تحقيقاً في جريمة قتل روسي آخر، هذه المرة رجل أعمال ينتقد الحكومة، وتشير التقارير إلى أن المحققين يشتبهون في أنه خُنق.في تصريحها البرلماني، تركت رئيسة الوزراء الباب مفتوحاً على احتمال فرض عقوبات أشد، لكن السؤال الحقيقي الذي يُطرح بالنسبة إلى بريطانيا، كما فرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة: هل نحن مستعدون لإنهاء العلاقات المالية بالكامل مع روسيا؟ يمكننا تجريم جنات ضريبية مثل جزر العذراء، فضلاً عن ديلاوير ونيفادا، كذلك نستطيع حظر بيع العقارات بدون معرفة هوية المشتري، ويمكننا منع الشركات الروسية ذات الأصول المريبة من دخول أسواقنا المالية، لكن هذا يحمّل شركاتنا العقارية ومَن يعملون منا في قطاع المال كلفة عالية، يحدث خللاً في تدفق الأموال السري إلى خزائن أحزابنا السياسية، ويحرم سوق الفن من أكبر المستثمرين فيه. فهل تتجرأ ماي على خطوة مماثلة؟ وهل يملك أي منا الجرأة الكفاية للقيام بذلك؟* آن أبلبوم*«واشنطن بوست»