سياسة الولايات المتحدة المشوشة في سورية باتت محطمة
قادت المواربة الأميركية في صراع عفرين إلى أزمة في سورية، وتخاطر الولايات المتحدة اليوم بمواجهة الأسوأ في كلا العالمَين، في حين تسعى إلى موازنة سياستها في سورية بين دعمها لشركائها المعادين لداعش في شرق سورية وحلفيها التركي القديم.بدأت تركيا التخطيط لعمليتها ضد وحدات حماية الشعب الكردية في عفرين قبل أشهر في عام 2017، إلا أن الولايات المتحدة ظلت صامتة طوال هذه المدة، وهكذا تخلت عن مسؤوليتها في عفرين، فبعد تعبيرها عن مخاوفها الأولية لم تتخذ واشنطن أي خطوات علنية لكبح لجام أنقرة، وفي المقابل استغلت روسيا أزمة عفرين لتتقرب من أنقرة، فنشرت وكالة تاس الروسية تقارير يومية عن التعاون التركي-الروسي، كذلك تفاخر وزير الزراعة ألكسندر تكاتشيف بصادرات بلده إلى تركيا، قائلاً إن التجارة المتبادلة نمت السنة الماضية بنحو 2.8 مليار دولار، وعلاوة على ذلك تعمل روسيا على إنهاء صفقة النظام الصاروخي إس-400 مع تركيا، التي تشير إلى أنه سيوضع حيز التنفيذ في 2020. تجاهلت تركيا أيضاً مخاوف حلف شمال الأطلسي بشأن هذه الصفقة والتقارب بين موسكو وأنقرة، ويبدو أن تركيا ستسيطر على معظم عفرين، في حين قرر النظام السوري ألا يرسم أي خطوط حمراء، والتزمت الأمم المتحدة أيضاً الصمت عموماً، صحيح أن الولايات المتحدة تدعم وقف إطلاق النار، إلا أنها تدرك أنها لا تستطيع فرضه. نتيجة لذلك يشعر الأكراد في سورية راهناً بأنهم تعرضوا للخيانة، ويتهمون الولايات المتحدة وروسيا ببيعهم بعد سنوات من القتال ضد "داعش". إذاً تخاطر الولايات المتحدة اليوم بإحداث شرخ بينها وبين شركائها في قوات سورية الديمقراطية بسبب عفرين، والتي أرسلت قوات مقاتلين لتعزيز دفاعات الأكراد في عفرين، كذلك علّقت واشنطن بعض العمليات ضد "داعش" في شرق سورية، وتشدد الحكومة الأميركية على أن عفرين قد تلهي عن الحرب ضد "داعش" وأنها لن تخدم الاستقرار الإقليمي، لكن تركيا لم تصغِ إلى تحذيرات واشنطن.يبدو اليوم أن واشنطن فقدت تأثيرها في أنقرة لأن تركيا باتت تدرك أن الولايات المتحدة ليست جادة في ضبط ما يحدث في عفرين، لكن هذا قد يقود إلى صدامات إضافية بين تركيا والقوات التي تدعمها الولايات المتحدة في منبج. كذلك قرّبت عملية عفرين الأكراد من النظام السوري، فهم يحتاجون إلى مناطق النظام كي ينقلوا الإمدادات إلى عفرين، فضلاً عن أن بعض المقاتلين الموالين للنظام قدِموا إلى عفرين لدعمهم، بالإضافة إلى ذلك رأت روسيا في عفرين فرصة لتضعف الثقة بالولايات المتحدة، مما تعتبره طريقة لدعم النظام في الشرق، وفي مطلع فبراير اصطدمت وحدات موالية للنظام بقوات تابعة للولايات المتحدة وقوات سورية الديمقراطية قرب دير الزور.
وأشارت التقارير إلى مقتل متعاقدين مع الجيش الروسي، لكن يجب تأمل سعي النظام للسيطرة على حقول نفط قرب دير الزور واختبار الولايات المتحدة ضمن إطار أزمة عفرين، إذ تعتقد روسيا أن الولايات المتحدة مشوشة الذهن. تواجه الولايات المتحدة راهناً أزمة ثقة في سورية، فسياستها، التي بدت ناجحة في خريف عام 2017 مع تقدّم العمليات المناهضة لداعش نحو الاستقرار، باتت اليوم مهددة، وما عادت خططها لتعزيز التمثيل الدبلوماسي، وزيادة المساعدات، ونزع العبوات الناسفة، وتدريب القوات الأمنية واضحة، كذلك تريد تركيا، وروسيا، والنظام السوري، وإيران أن تسحب واشنطن يدها من سورية.تشكّل عملية عفرين على الأرجح لمحة عما سيأتي، وما عادت الولايات المتحدة تتمتع اليوم بأي دعم في شرق سورية، على ما يبدو، باستثناء تأييد المملكة العربية السعودية، لكن مساندة الرياض لا تُعتبر كافيةً لإعادة بناء الثقة بسياسة الولايات المتحدة في شرق سورية، فعلى واشنطن أن تتحرك وتعمل مع شركائها الذين حاربوا داعش إلى جانبها طوال سنوات.* سيث فراتزمان* «ناشيونال إنترست»