كان على القيادة الفلسطينية أن تدرك، مبكراً، أن حركة حماس قد أُوجدت وأُعلن وجودها في عام 1987 مشروعاً دوليّاً لا مشروعاً فلسطينياً، وأن التنظيم العالمي بكل فروعه لم يلتحق بالكفاح المسلح في عام 1965 وبعد ذلك لأنَّ همه لم يكن فلسطين ولا تحريرها، بل انتصار "الفكرة" التي أوجد من أجلها، وهي فكرة شمولية مضادة للدعوة القومية العربية التي كانت عنوان الثورة على العثمانيين (الطورانيين)، الذين غيّبوا العرب كأمة نحو أربعة قرون متلاحقة، وهذا ما شكل منهجاً للبريطانيين الذين سيطروا على جزء من الوطن العربي في فترة لاحقة.ومع أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات- رحمه الله- كان يدرك هذه الحقيقة منذ البدايات، فإن الحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية، في إطار منظمة التحرير التي جرى تشكيلها في عام 1964 في أول مجلس وطني، وهو المجلس الذي انعقد في هذا العام نفسه، جعله يواصل مطارداته للإخوان المسلمين، ولاحقاً لـ"حماس"، كل هذه السنوات الطويلة، ولكن دون أي نتيجة، فهدف هؤلاء ليس هدفاً فلسطينياً ولا عربياً، بل هدف كوني عنوانه "انتصار الفكرة" لا انتصار قضية فلسطين، ولا تحقيق الوحدة العربية.
كان المجلس الوطني الذي انعقد في الجزائر عام 1988 حاسماً بالنسبة إلى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، ولكن مع أن جميع الفصائل حتى "الرافضة" منها قد حضرته فإن "حماس"، التي كان التنظيم العالمي الإخواني قد شكلها وأعلن تشكيلها قبل عام، أي في 1987، قد قاطعته ورفضت حضوره، وهذا هو الموقف الذي بقي متلاحقاً ومتواصلاً بالنسبة إلى كل المجالس الوطنية اللاحقة، بما في ذلك المجلس (الحاسم) الذي تقرر أن ينعقد في نهايات أبريل المقبل. والمعروف أنَّ "حماس" نفسها وبقياداتها الحالية، التي هي مجرد واجهة فلسطينية للتنظيم العالمي الإخواني، نفذت ذلك الانقلاب الدموي على السلطة الوطنية، وعلى "فتح"، وعلى منظمة التحرير في عام 2007 مباشرة بعد توقيع اتفاق مكة المكرمة، بطريقة أسوأ الانقلابات العسكرية، ومن هنا كان يجب إدراك أنه تم إنشاء هذا التنظيم لقطع الطريق على قيام دولة الشعب الفلسطيني المنشودة، وتحويل قطاع غزة، الواعد كمصدر للطاقة المتوسطية، "مثابة" لـ"الإخوان" في اتجاه مصر، وفي اتجاه المشرق العربي، وفي كل الاتجاهات.والمؤكد أن الأشقاء المصريين أدركوا كل هذه الحقائق قبل وصول "الإخوان" إلى الحكم في مصر وبعده، وأن البؤرة الإرهابية التي أُنشئت في سيناء، والتي لا تزال تشكل صراعاً موجعاً للدولة المصرية وللشعب المصري، هي بؤرة "إخوانية" رأس حربتها "حماس".وعليه فإنه ما كان على السلطة الوطنية و"فتح" ومنظمة التحرير المُراهنة على هذا الذي سُمي زوراً وبهتاناً "الحوار الوطني الفلسطيني"، الذي كان واضحاً منذ البدايات أن هدفه حاجة "حماس" إلى مصر نحو عالمها الخارجي، وأن هدفها هو إشغال القيادة الفلسطينية بهذا الهم على حساب همومها الكثيرة. والآن فإن محاولة الاغتيال التي تعرض لها رئيس الوزراء الفلسطيني ومعه مدير المخابرات الفلسطينية... وفي غزة نفسها، هي الخطوة العريضة لإنشاء مجلس وطني غير المجلس الشرعي، ومنظمة التحرير غير المنظمة الشرعية... وبالتالي قيادة غير هذه القيادة، وهذا واضح ومعلن، ولا يخدم إلا إسرائيل التي تدّعي، هروباً من استحقاقات الحل المنشود، أنه لا توجد جبهة فلسطينية واحدة، وأن الفلسطينيين غير موحدين... وأنهم لا يستحقون إلا دولة في قطاع غزة!
أخر كلام
ما تريده «حماس»!
21-03-2018