مع اقتراب نهاية المهلة التي وضعها الرئيس الاميركي دونالد ترامب لتعديل الاتفاق النووي الايراني او الانسحاب منه، وإصرار واشنطن على وضع حد للأنشطة الإيرانية في المنطقة، اعترفت إسرائيل، أمس، لأول مرة بتدميرها ما يشتبه أنه مفاعل نووي سوري في ضربة جوية عام 2007. ولوحت برسالة عامة للمنطقة ولإيران خاصة. وأعلن الجيش الإسرائيلي صراحة مسؤوليته عن تدمير المنشأة السورية بعد 11 عاماً من نفيه شن «عملية خارج الصندوق».
ووصف في بيان الغارة الجوية التي شنت بين الخامس والسادس من سبتمبر 2007 بأنها قضت «على تهديد وجودي ناشئ ضد إسرائيل وعموم المنطقة»، مشيراً إلى أن «المفاعل كان يوشك على الاكتمال».وأكد قائد الجيش الإسرائيلي، اللفتنانت جنرال جادي إيزنكوت، في البيان الصادر، أن «الرسالة من الهجوم هو أن إسرائيل لن تسمح بتأسيس قدرات تهدد وجودها. هذه هي رسالتنا اليوم وسوف تظل رسالتنا في المستقبل القريب والبعيد».
معادلة وإنذار
وبينما أشاد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالضربة، مشدداً على أن «إسرائيل لن تسمح لاعدائنا بامتلاك سلاح نووي»، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، أمس، أن على المنطقة بأكملها استيعاب الدرس من الضربة. وقال ليبرمان إن «الدوافع لدى أعدائنا تنامت في السنوات الأخيرة، ولكن قدرة قوات الدفاع الإسرائيلية تنامت أيضا»، مشددا على أن «الكل في الشرق الأوسط سيعمل جيداً لاستيعاب المعادلة». في موازاة ذلك، قال وزير الاستخبارات، إسرائيل كاتس، في تغريدة على موقع تويتر: «العملية ونجاحها أوضحا أن إسرائيل لن تسمح أبدا بأن تكون الأسلحة النووية في أيدي من يهددون وجودها. سورية في ذلك الحين وإيران اليوم».وتزامن الإنذار الإسرائيلي الجدي لإيران مع تأكيد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه سيعلن قريباً قرارات، رداً على سلوك إيران بالمنطقة والعالم، لدى استقباله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في واشنطن، مساء أمس الأول.وكانت «الجريدة» علمت من مصادر إيرانية رفيعة، الأسبوع الماضي، أن موسكو أبلغت طهران أن ترامب قرر توجيه ضربة إلى سورية بعد سقوط منطقة الغوطة الشرقية، وأن الرئيس الأميركي سيخير طهران بعد نجاح الضربة بالانصياع إلى شروطه حول رغبته في تشديد الاتفاق النووي وتقييد برنامجها للتسلح الباليستي وأنشطتها الاقليمية، أو التعرض لقصف أميركي مباشر.وكثفت إسرائيل مؤخراً تحذيراتها من الوجود العسكري المتنامي لإيران في سورية. ونفذت الطائرات الإسرائيلية في فبراير الماضي غارات جوية على أهداف عسكرية سورية وإيرانية تعمل داخل سورية.وجاء الاعتراف الإسرائيلي بعد أن رفعت الرقابة العسكرية الإسرائيلية صفة السرية عن مواد تتعلق بالغارة الجوية التي استهدفت المنشأة الواقعة في دير الزور شرقي سورية، والتي كانت تل أبيب تمنع المسؤولين الإسرائيليين من التحدث عنها. ومن ضمن المواد التي رفعت السرية عنها لقطات لما تقول إنه ضربة لمنشأة «الكبر» في منطقة الصحراء السورية، بالإضافة إلى صور للعملية العسكرية السرية.وذكرت الوثائق أن أربع طائرات من طراز «F-16» وأربع طائرات مقاتلة من طراز «F-15» قصفت المنشأة. ونشر الجيش الإسرائيلي صورا للطيارين المشاركين في الهجوم في قاعدة بصحراء النقب، قبيل إقلاعهم صوب سورية لتنفيذ المهمة. كما نشر صوراً أخرى تظهر قيادات سياسية واستخباراتية مع الطيارين، بعد شن الهجوم في 18 ديسمبر 2007.وأفادت تقارير إسرائيلية بأن تل أبيب حصلت على معلومات بشأن بناء المفاعل في 2004، وبدأت تعمل من أجل إحباطه حتى استطاعت تدميره.وأشارت التقارير إلى أن الطائرات الحربية ألقت 17 طناً من المتفجرات على مقر المفاعل الذي كان قيد الإنشاء في موقع «الكبر» بدير الزور، مما أدى إلى تدميره بالكامل.وفي وقت الهجوم كان من الواضح أنه في مصلحة إسرائيل أن يكون هناك عدم وضوح بشأن من يقف وراء الحادث، لتجنب منح نظام بشار الأسد الأسباب للقيام بأي رد فعل انتقامي.وفرضت إسرائيل حينها تعتيماً تاماً على القصة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، وتمت مراقبة المواضيع المتعلقة بهذه القضية، على الرغم من أنها نوقشت بحرية في وسائل الإعلام الأجنبية.ونفت سورية في وقت سابق أن يكون الموقع الذي تعرض للقصف مفاعلا نوويا، إلا أن وكالة الطاقة الذرية الدولية قالت إن «من المحتمل جداً أن يكون الموقع مفاعلا نوويا بني بمساعدة كوريا الشمالية».روحاني وبرلين
إلى ذلك، بعث الرئيس الإيراني حسن روحاني برقية تهنئة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمناسبة إعادة انتخابها مستشارة لفترة تشريعية جديدة، وحثها فيها على ضرورة مواصلة ألمانيا لدورها البناء والمؤثر في تنفيذ الاتفاق النووي الذي تسعى أوروبا لإنقاذه بعد تهديد ترامب بالانسحاب منه.في سياق آخر، قال المرشد الأعلى علي خامنئي، في كلمة بمدينة مشهد بمناسبة العام الإيراني الجديد، إن بلاده لعبت دورا مهما في هزيمة تنظيم «داعش» في المنطقة.ورأى خامنئي أن الولايات المتحدة غير قادرة على تحقيق الاستقرار في المنطقة، مستشهداً بوجود الجيش الأميركي في أفغانستان التي تعاني الاضطرابات منذ اسقاط واشنطن لحكم طالبان في 2001.وأضاف أن «الولايات المتحدة لن تحقق هدفها في المنطقة لكن إيران ستكلل بالنجاح».