كما هو معتاد، ومنذ قانون حماية المال العام الذي صدر عام 1993، لم يوقف سيل الفساد والسرقات التي أوصلتنا إلى هذه الحالة السيئة في مدركات الفساد وتصنيف البلد وفقاً لتلك المقاييس. ففي الكويت مازلنا، تشريعياً، نُصدر قوانين بعناوين برَّاقة لمكافحة الفساد، لكنها في مضمونها ضعيفة، وقابلة للاختراق، أو الالتفاف عليها من كبار الفاسدين، أو وضع نصوص في هذه القوانين مطاطة ومخالفة للدستور، حتى يتم نقض هذه القوانين دستورياً، ووقف فاعليتها.بنفس السياق صدر قانون حظر تعارض المصالح مؤخراً من مجلس الأمة، وتصوَّروا أنه رغم أن قضية "الإيداعات" الشهيرة التي مازال البلد يعيش تداعياتها، فإن هذا القانون لا ينص على حظر قبول النواب والوزراء للهدايا الشخصية والعطايا! كما يوضح الوزير والنائب الأسبق أحمد باقر بمقالته الأخيرة التي نُشرت في "الجريدة".
السيد باقر المشرِّع السابق ذو الخبرات البرلمانية استعرض في مقالته تلك مثالب عديدة في "تعارض المصالح"، ربما تؤدي إلى الطعن فيه دستورياً، في سابقة مشابهة لما حدث لقانوني هيئة مكافحة الفساد والذمة المالية، لنعيد نفس الأحداث التي وقعت معهما، ثم ينسخ بقانون ضعيف يضع كل الصلاحيات في يد السلطة التنفيذية التي تضع اللائحة التنفيذية للقانون، لتمكنها من التحكم في الجهة المفترض أن تراقب الفساد، الذي منبعه الرئيسي هو الأجهزة التنفيذية للدولة!المشكلة أن مشرِّعينا في السلطتين؛ التنفيذية والتشريعية، يعتقدون أنهم في غاية الذكاء والعبقرية عندما يُصدرون قوانين بعناوين برَّاقة وشفافة، بينما هي مفرغة المضمون من الداخل، ليحسنوا صورة الكويت وخداع المنظمات الدولية، لكن على العكس تماماً، فإن هذه المنظمات لديها خبرات لتكتشف القوانين والهيئات الجدية لمكافحة الفساد والأخرى الصورية، وكذلك المواطن الكويتي يعي ذلك تماماً، لكنه صابر على ما يراه من حوله من فساد وتجاوزات في وطنه.غالبية الكويتيين يعلمون أسماء وشخوص الفاسدين، ويمرون على قصورهم التي بنوها عقب توليهم مناصب حكومية، أو نجاحهم في انتخابات برلمانية أو بلدية، كما يعلم الناس أيضاً كيف تدفع العمولات والرشاوى الكبرى بالحسابات البنكية في خارج البلد، بينما قانون "تعارض المصالح" الوليد لا يعطي البنك المركزي الكويتي حق الاستفسار عن حسابات المسؤولين الحكوميين خارج البلاد، وهو حق ممنوح لكل البنوك المركزية الحكومية، أقرَّته الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها الكويت.أيضاً، كيف تكون هناك ثقة من المراجع الدولية في مؤسساتنا المحلية لمكافحة الفساد، بينما مجلس الوزراء يكلف هيئة مكافحة الفساد بأعمال ضمن لجنة حكومية؟! والمفترض أن تكون الجهات المكلفة بمكافحة الفساد مستقلة وخاضعة لرقابة وإشراف السلطة القضائية.حقيقة، إننا في الكويت مازلنا لا نملك الإرادة القوية والصادقة لمكافحة الفساد والقضاء عليه، أو حتى تقليصه إلى أصغر حدٍ ممكن، لذا سيستمر وضعنا تجاه مكافحة الفساد على ما هو عليه، رغم كل الخُطب الرنانة ضده، والقوانين المنقوصة لمكافحته.
أخر كلام
«تعارض المصالح» غير صالح!
22-03-2018