لونا قصير: روايتي «مرآة الروح» حوار بين العقل والقلب
• «أستمدّ كتاباتي من مدرسة الحياة ولا أخشى مواجهة الذات»
منذ تصادقت والقلم وبدأت تخطّ تجاربها الأولى في عالم الكتابة، حرصت الروائية لونا قصير على رسم ملامح من الذات بشفافية وصدق. وفيما بعد، عندما نضجت تجربتها الكتابية وأصدرت روايات عدة وخواطر، انطلقت من هذا الصدق مع الذات لتطرح قضايا اجتماعية، وتتعامل مع الحرب التي عصفت بلبنان طويلاً وما زالت تقض مضجع بعض الدول العربية، بواقعية وبجرأة في الطرح من دون أن تخرج بالطبع عن أصول الأخلاق واللياقة واحترام الآخر... من هنا جاءت رواياتها سلسة، متقنة المضمون والأسلوب، تعرض الحقائق من دون تشويه.الإشكاليات في المجتمع، المرتكز الأول لروايات لونا قصير، وهي وإن تطلق في كتاباتها صرخة مدوية للتغيير، تدعو، إلى السلام وهي على يقين بأن دعوتها هذه قد ترزح تحت ثقل الحروب المتكررة، مع ذلك لا تيأس، ومع كل رواية جديدة تطلقها، آخرها {مرآة الروح} الصادرة حديثاً، تجدد إيمانها بالحياة وبمجتمع العدالة، وإن بدا بعيد المنال بل مستحيلاً...
تعزف روايتك الجديدة «مرآة الروح» على وتر القدر، فهل تعتقدين أن الإنسان ضحية قدره؟ خلقنا، لكننا لم نختر أهلنا ومجتمعنا ولون بشرتنا وديننا. نحاول أن نرسم حياتنا كما نحب أو نتمنّى، ننجح أحياناً بتغيير أمور كثيرة لكنني أعتقد أن قراراتنا تبقى ضمن إطار كونيّ اسمه القدر. برأيك ألا نستطيع في ظرف ما تغيير قدرنا؟ قليلاً ما ندرك الظرف المناسب لتغيير حياتنا، فكم من مرة نردد قائلين: ليتنا فعلنا ذاك أو ذلك... هي ليست قلة إدراك، لكنّ النضج ورؤية الأمور مع التقدم في العمر والتجارب، تجعلنا نرى الأمور بمنظار اَخر. لكن هل فعلاً كانت ستغير حياتنا؟ من يدري؟ لا يجب أن ننسى عوامل أخرى أذكر منها: الخوف من المجهول، والمجتمع والبيئة والتقاليد التي تربينا عليها، فكل تلك العوامل تسهم في عدم معرفة إذا كان فعلاً هذا الظرف حينذاك سيغير حياتنا. لكنني في النهاية إنسانة متفائلة وأسعى دائماً إلى الأفضل. بالنسبة إلي الظرف دائماً موجود، والمحاولة من أجل الأفضل هي خير دليل على أننا أحياء وتليق الحياة بنا.
مرآة الذات
ترمز الشخصيات والأحداث في رواية «مرآة الروح» إلى ما يجري اليوم من مآسٍ في الوطن العربي، فهل هي رصد للواقع أم صرخة لتجاوزه والبحث عن بصيص نور؟من قرأ روايتيَّ «بلاد القبلات» و{فراشة التّوت» لن يُفاجأ، سيجد أحداثاً كثيرة لها علاقة بالحرب... الحرب والسلام كلمتان لا تنفصلان عن بعضهما البعض، هذا واقعنا، الحرب الأهلية في لبنان التي دامت سنوات يمكننا أن نكتب عنها الكثير، كذلك العالم العربي من حولنا يخوض حروباً منذ سنوات وإن كانت متقطعة أحياناً. أصبح الشعب يتوق إلى السلام والأمان لذلك في كل رواية من رواياتي مقطع عن الحرب وتأثيرها في حياتنا، ودعوة إلى السلام والمحبة، وصرخة لتجاوز هذا الوضع الأليم.تعكس المرآة عادة الصورة الحقيقية للشخص، فهل الرواية هي مرآة لذواتنا وتناقضاتنا، ام تعكس بعضاً من جماليات الروح؟ «مرآة الروح» هي الوجه الحقيقي لتفكيرنا وتصرفاتنا ومشاعرنا. مرآة روحنا نتكلم معها كثيراً في وحدتنا وبصراحة، هي حوار بين القلب والعقل. مثلاً عندما نتظاهر بالفرح، تتدخل مرآة روحنا في وحدتنا وتواجهنا بالحقيقة، والعكس صحيح.. مرآة الروح لا تحب المرواغة... فإن كان الشخص مرواغاً يعلم بينه وبين نفسه أنه كذلك، وإن كان صادقاً، لن يشعر بالذنب.. أما في رواية «مرآة الروح»، الصراع الذي ينتاب الشخصيات هو صراع يعكس جماليات الروح ومدى صدقها ونقاوتها. أين انت في الرواية؟ هل نجدك في شخصية محددة أم أن كل واحدة من الشخصيات تحمل ملامح من فكرك ومن روحك؟ كتاباتي من مدرسة الحياة، لكن لا أستطيع أن أفصل أية شخصية عن طريقة تفكيري... أكتبها وأحللها بصدق. عملت في مجال التسويق والماركيتنغ والعلاقات العامة، والعمل الإداري مع أشخاص من مختلف البلدان والأعمار والجنسيات والمعتقدات. ساعدتني هذه الخبرات كثيراً في الكتابة، خصوصاً أن مواضيع رواياتي اجتماعية. لا يجب أن ننسى عنصر الخيال، فمن خلاله أحلق إلى أفق بلا حدود، وحسب الفكرة أو العبرة التي أريد أن أوصلها إلى القارئ... لكن من المؤكد إن كل ما أكتب ينبثق من روح صادقة وشفافة في رؤية الأحداث وسردها.مقومات واختلاف
ما هي مقومات الفن الروائي اليوم وهل تغيرت عما كانت عليه في الماضي؟ الرواية فن وعلم واسع وتتفرع منها مدارس واتجاهات فنية كثيرة، اليوم نلاحظ أن كتابة الروايات ازدادت ولم تعد مقيدة بمدرسة معينة. تطوّرت الرواية وأصبح الروائي قادراً على الاستجابة لتطورات الحاضر وانفتاحه. أصدرت قبل «مرآة الروح» رواية «فراشة التّوت» (2016) و{القميص الزهري» (2014) و{بلاد القبلات» (2015)، فهل من مجال للمقارنة بينها أم كل واحدة ترسم عالماً مختلفاً؟ كل رواية مختلفة عن الأخرى، ما يربطها ببعضها البعض أنها جميعها روايات رومانسية، واجتماعية، وإنسانية، وواقعية، ودرامية من مدرسة الحياة وفيها أيضا كثير من الخيال.هل يمكن أن تعطينا نبذة عن كل واحدة منها؟كتاب «القميص الزهري»، عبارة عن نصوص متنوعة: وجدانيات وخواطر وقصص قصيرة، كتبت عن الحيوات اليومية ومفارقات الأصدقاء والعلاقات التي طبعت في الذاكرة، من أهل وأحبة وجيران. في «القميص الزهري» ممازجة بين العام والخاص وبعد إنساني ومناح أخلاقية وقيم جميلة أسماها المحبة.رواية «بلاد القبلات»: مختلفة، وتمُتْ بصلة وثيقة بأحداث واقعية من الحياة، لكِنَها لا تخلو من الخيال. سلسلة من الأحداث والمغامرات المشوقة والمتنوعة، ابتدأت منذ بداية طفولة فتاة بريئة ومن ثم مراهقة وعاشقة وامرأة. من خلال هذه الأحداثْ، انتقلتُ من رؤية مُحايِدة إلى رؤية ذاتية داخلية كتبتُ فيها عن وجهَة نظري. وتركتُ الحُرية للقارئ كي يختار الرؤية الصحيحة التي يراها مناسِبة في التعامل مع الحياة.رواية «فراشة التّوت»: انطلقت لأطرح موضوعاً معاصراً يعيشه الكبير والصغير، ألا وهو تعلقنا بشبكة التواصلْ الاجتماعي، التي تربط العالمَ ببعضِه البعض. قصص بدأتْ بدردشاتٍ بسيطة من خلال الشاشة الإلكترونية، وتطورتْ لتطَالَ الروحَ والجسد معاً. كثيرون سَخِروا منها، لكنهم وقعوا في فَخِّها وأصبحتْ جُزءاً من حياتِهم اليومية.. تطرقت إلى مواضيع متعددة: الزواج بين الديانات المختلفة، وفارق العمر بين الرجل والمرأة، وأن العمر لا يقف حاجزاً أمام الحب، وتأثير الحرب في مسار حياتنا، ومواضيع أخرى.رواية «مرآة الروح»: القدر، أنحن مسيّرون أم مخيّرون؟ الصراع مع الذات، هل الصراع بين الخطيئة أو عدمها، من أصعب الصراعات التي تأخذنا حيناً كتيارات البحر إلى أعماقه وطوراً إلى شاطئ الأمان، كذلك غصت في الأعماق البشرية لأستخلص من كل حالة حكمة. تدور أحداث الرواية بين لبنان والإسكندرية واسبانيا.جرأة في الطرح
تتناولين في كتاباتك قضايا اجتماعية تخصّ المرأة تحديداً لا تخلو من بعض الجرأة في الطرح، فهل يستطيع الروائي أن يحدث تغييراً ما في واقع الحال؟المواضيع كافة التي أكتبها من واقع الحياة، فأنا أكتب من مدرسة الحياة... جريئة لأنني أطرحها بكل بساطة، فهي تجانب الواقع. الجرأة نسبية وحسب المجتمع أو البيئة التي نعيش فيها. لا أعتبر المواضيع التي أطرحها جريئة، فهي واقع نعيشه ونتحدث عنه كل يوم. الجرأة بالنسبة إلي عندما نستطرد في كتابة مواضيع تخرج عن إطار الأصول والتهذيب، وعدم احترام الاَخر. يجب علينا دائماً أن نتقبل الاَخر، ونتبادل الاَراء من غير التجريح ببعضنا البعض...ربما لن نستطيع تغييره في الحال، لكن مجرد كتابته والتحدث عنه، يفتح اَفاقا جديدة ومهمة، ألا وهي تقبل الاَخر لأمر واقعي وموجود في المجتمع، بغض النظر عن المكان.ترجمت روايتك «بلادُ القُبلات» إلى الفرنسية والإنكليزية، ما الدوافع لترجمتها، وهل لربطك بين التقاليد الشرقية والغربية علاقة في ذلك؟ثمة أسباب عدة للترجمة: والدتي فرنسية، فترجمة رواياتي بالنسبة إلي أمر طبيعي. ثانياً، يتقن الشعب اللبناني بسهولة اللغتين الفرنسية والإنكليزية. ثالثاً، يطلب مني قراء كثيرون ترجمة رواياتي لأنهم يفضلون القراءة باللغة الفرنسية أو الإنكليزية. رابعاً، الترجمة إلى لغة مختلفة لا تنقص من العمل الأدبي بل تغنيه.في فترة الحرب في لبنان، وفي عز مراهقتي عشت لفترة في فرنسا، جعلني هذا الأمر أربط تلقائياً الفروقات في التقاليد وطريقة التفكير بين البلدين، غير أن إخوتي يعيشون في فرنسا وأميركا. لذا أسافر كثيراً، والسفر يغني العقل والروح، فنتعرف إلى حضارات وتقاليد وعادات مختلفة. ندوة علمية في المغرب
حول جديدها الذي تعمل عليه راهناً توضح الروائية لونا قصير: «أكتب رواية جديدة مختلفة عن الروايات السابقة، لكنني أتريث قليلاً الاَن. يجب أن أعطي رواية «مرآة الروح» التي صدرت حديثاً حقها، لا سيما أنني تلقيت دعوة من عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة محمد الأول، في المملكة المغربية، للمشاركة في ندوة علمية دولية عن الرواية النسائية في العالم العربي. كذلك أسعى وأتمنى أن أجسد رواياتي في مسلسل أو فيلم ذلك أن المواضيع التي أتناولها في الروايات درامية اجتماعية واقعية وحقيقية.
في كل رواية من رواياتي مقطع عن الحرب وتأثيرها في حياتنا ودعوة إلى السلام والمحبة