نظراً لخلوده إلى الراحة في البيت لظروف حالته الصحية، فقد جلست إلى ولدي الحبيب "حمودي"– أتم الله شفاءه- لأحكي له بعض القصص والحكايات، فكانت إحداها كما يلي: كان يا ما كان في حاضر العصر والأوان، في غابة ما فيها من بني الإنسان، كانت هناك مجموعتان من الحُمر الوحشية، المجموعتين الأولى هي (الحمير السوداء المخططة بالأبيض) والمجموعة الثانية هي (الحمير البيضاء المخططة بالأسود) والمشكلة الكبيرة التي تعكر صفو الغابة وتكاد تشعل النيران فيها أن المجموعة الأولى من الحمير تكره المجموعة الثانية كرها لا مبرر له، فقط مجرد كره والسلام، وذات يوم وتزامنا مع خروج الحمير من الحظيرة كالعادة، شاهد الجميع حدثاً متفرداً ليسوا معتادين عليه، وهو أن هناك حمارين من المجموعتين يتمشيان بجوار بعضهما مشية الأصدقاء، ويتبادلان النكات والضحكات، ومع اجتهاد الجميع في التفريق بين الحمارين وأي منهما يتبع لأي مجموعة، إلا أن الحقد والكراهية مكناهما في النهاية من التفرقة بين ما لا يمكن تفريقه فقد عرفوا (الحمار الأسود المخطط بالأبيض) من (الحمار الأبيض المخطط بالأسود)، وهنا ثارت ثائرة جميع الحمير، فكيف يكسر هذان الحماران القواعد والأعراف، وكيف يخرجان على النص، وينهيان حالة الاحتقان والصراع، تعالت الأصوات في المجموعة الأولى مطالبة بقتل "الحمار الأسود المخطط بالأبيض"، أما المجموعة الثانية فقد كانت أشد قسوة في مطالبتها برجم "الحمار الأبيض المخطط بالأسود" على أعين الناس.
"شنو هذا يبا"، قاطعني حمودي متضايقاً ومتسائلاً: "وش الفرق بين الحمارين؟". هنا انفجرت في الضحك قائلاً لحبيبي حمودي: "اسأل الحمار يا ابني". اندهش الصغير حمودي من ردي، وأردف قائلاً: "يبا، ترى ما في فرق، الحمير المخططة نفس الشكل ونفس اللون، ما في فرق، وإنت قاعد تتغشمر معي".هنا كان لا بد أن يكون للحديث مجرى آخر، فبراءة الطفل الصغير وفطرته تدركان بسهولة ويسر أنه لا فرق في الشكل أو اللون بين المجموعتين؛ ولكن جل ما أخشاه وما يخشاه العقلاء من بني قومي، أن يكبر أطفالنا فتغيرهم الحياة، وتصبغهم الطائفية، وتعميهم القبلية، فيبدؤون بإيجاد الفوارق وخلقها بين المجموعات، وما يحزنني جداً أن صغيري يلوم على الحمير الوحشية، ولا يدري أن لدينا من الحمير الكثير ممن أعمتهم الطائفية، وأظلتهم القبلية، فصاروا يرون الفوارق الوهمية ويتخيلون أنفسهم أعلى من البشر. "تراك لو ركزت شفت نفسك حمار".عدت من لحظات التفكير والفلسفة المحزنة إلى وجه صغيري الحبيب حمودي قائلاً: "صح حمودي، ترى ما فيه فرق، بس الحمير اللي ما تفكر هي اللي تسوي الفوارق، وتشوف نفسها غير، إياك لما تكبر تصدق أي حمار يشوف نفسه غير أو يحتقر إخوانه من الحمير"."فهمت يبا"، رد حمودي مكملاً "الحمار اللي يشوف نفسه علي أعطيه بالعصا".هنا عادت ابتسامتي مجدداً لصغيري قائلاً: "صح حمودي العصا لمن عصا، والحمار اللي يخرب الصف يستحق العقاب، والحين تبي نكمل القصة وإلا تسمع قصة ثانية؟". "لا يبا أسمع قصة ثانية"، كان رد حمودي مناور مغلقاً الباب في وجه حمير الصراع، ربي بارك بمحمد وإخوته وجميع أبنائكم، أرجو أن تجلسوا معهم وتخبروهم وتعلموهم ليعرفوا لغة الحمير ويتجنبوهم ويحافظوا على غابتهم الجميلة، والله إن اشتعل فتيل واحد فسيدمر اليابس والأخضر، اصحوا واتركوا الحمير تكفون.أرجوحة أخيرة:لا تسخروا من الحمير، فما أكثرهم في زماننا، علينا أن نفهم ونتدبر وندرك الخطورة قبل فوات الأوان، وقبل أن تحرق الحمير الغابة بما فيها وعليها، و"حمودي يقول لكم ترى بلدنا فيه نفط واجد، سهل يشب ويحترق".
مقالات
أرجوحة: اسأل الحمار يا ابني!
23-03-2018