6/6 : سفير القلوب
تدافع الكويتيون؛ أفراداً ودواوين، للاحتفاء بإنسان حلَّ بينهم قبل اثني عشر عاماً مضت كالطيف، ولم يستطيعوا التفريق بين كونه سفيراً لبلاده، أو صديقاً وأخاً اقتحم قلوبهم، فوجدها مشرعة له دون تردد، واستقبلوه في بيوتهم ومجالسهم كواحد منهم، لا كضيف عليهم.مع الاحترام الشديد للسفراء السابقين في الكويت، إلا أن الساحة الاجتماعية لم تشهد مظاهر احتفاء بالدبلوماسيين المغادرين بحجم وزخم ما أُحيط به سفير خادم الحرمين الشريفين د. عبدالعزيز بن إبراهيم الفايز، الذي تولَّى أولى مهامه الدبلوماسية في الكويت، بعد تقلبه في بلاده بالمراكز الأكاديمية، رئيساً لقسم العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالرياض في أواخر الثمانينيات، قبل انخراطه في المسؤوليات الوطنية كعضو ورئيس للجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشورى السعودي، لتكون الكويت منذ عام ٢٠٠٦ خميرته الأولى في العمل الدبلوماسي، الذي استقى من خصاله الشخصية في التواضع والتواصل الاجتماعي وطيب المعشر مرتكزات نجاحاته المتوالية كدبلوماسي اتكأ على ما يجمع بين وطنه الأول والثاني من أواصر راسخة لا تدرِّسها المعاهد الدبلوماسية، بل هي ثوابت نابعة من أعماق التاريخ، ولا تنال منها عابرات الأحداث أو العبثيات الفردية."بووائل"، كما كانت كُنيته لدى إخوانه بالكويت، أشاع الألفة في المجالس التي حلَّ بها بين أهله وإخوانه، مردداً عبارته الودودة (يا حِبّي لكم)، وأضاف الكثير بما يكتنزه من علم في مجالات تخصصه، وثقافة عامة غزيرة في شتى الميادين لجلسات الحوار الثقافي والفكري والسياسي والاقتصادي الرسمية والأهلية التي تواجد فيها، كما أشاع الدفء، عبر علاقاته الحميمة مع الجميع في زياراته لدواوين الكويت، مشاركاً الناس أفراحهم وأحزانهم، وبدا كأنه سفير للكويت في المملكة، مثلما هو سفير لها بالكويت.
إن فيض المحبة الذي أحاط به الكويتيون السفير السعودي المغادر لم يأتِ من فراغ، بل عبر تلك الحصيلة من التواصل التي شيَّدها طوال وجوده الطويل بيننا، والقائم على أدائه المتميز في مهامه الدبلوماسية، وهو ما جعل الكثيرين يتمنون أن يستمر لفترات أطول، لولا أن حكومته استجابت لرغبته بالتقاعد وتوديع مهامه الدبلوماسية والسياسية والأكاديمية والخلود للراحة، بعد عناء الجهد الوطني الطويل الذي بذله، وهي رغبة يقدِّرها له الجميع، بعد أن كفَّى ووفَّى، وأدى أعماله بالأمانة والصدق.الكلمات التي قِيلت في لقاءات الكويتيين مع "سفير القلوب" المغادر اختزلت مشاعر الجميع، وآخرها الكلمة البليغة للعم فهد المعجل، التي ألقاها خلال تكريم دواوين الكويت لـ"سفير القلوب" بديوان الغنام العامر، وكذلك التي كتبها في مقالته بجريدة السياسة، وأكد فيها "أن العلاقات الصلبة التي بناها الدكتور الفايز لن تقطعها وتعوقها جغرافية التضاريس".إن مغادرة "بووائل" لنا لن تعني مفارقته لقلوبنا التي كانت مأواه، ونأمل له التوفيق والنجاح في القادم من الأيام، مؤكدين أن له سُكنى وداراً في قلب كل كويتي عرفه واقترب منه، وسيبقى تقديره متواصلاً من شعب يبادله الطيب بالطيب والوفاء بالوفاء.رافقتك المحبة يا "بووائل" سفيراً للقلوب، ووفقك الله في القادم من دروبك، ونودِّعك بعبارتك الحنونة المشهودة "يا حِبْنا لِك".