قبل أكثر من أسبوعين ألغت إيران دوراً جديداً للدولار في تعاملاتها من أجل خفض اعتمادها على العملة الأميركية، وتكون مثل تلك الخطوة متعددة الجوانب ومترابطة الى حد كبير، ولكن توجد وجهات نظر متضاربة بين الخبراء والمسؤولين إزاء ما سيحدث نتيجة لذلك القرار المحتمل.وأعلنت وزارة الصناعة والمناجم والتجارة في إيران أنها حظرت على كل التجار تسجيل طلبات الاستيراد بالدولار، وتم ذلك عن طريق إجراء قام به البنك المركزي في طهران برئاسة ولي الله سيف، الذي قال إن النظام المصرفي الإيراني لا يتعامل بالدولار بسبب العقوبات المستمرة منذ زمن طويل، كما أن استخدام العملة في عمليات الاستيراد يستوجب اللجوء الى شبكة من مكاتب الصرف بدلاً من البنوك، وهي سياسة تعارض خطة الحكومة الهادفة الى «إزالة الدولار تماماً من عملياتها التجارية الدولية» والتي تتبعها طهران على جبهات متعددة.
وقد سعت إيران الى إقامة مبادلات عملة ثنائية أو متعددة مع شركائها الرئيسيين، وتم تطبيق تلك السياسة مع تركيا في وقت سابق، وإضافة إلى ذلك أعلنت إيران أيضاً خطة لوقف استخدام الدولار على شكل عملة مختارة في تقارير الصرف المالية والأجنبية، وذلك اعتباراً من بداية السنة الإيرانية الحالية، ولكن تلك الخطة تأجلت بسبب تسعير المنتجات النفطية بالعملة الأميركية على الرغم من أنها تظل على أجندة البنك المركزي الإيراني.
وجهات نظر معاكسة
وكان نائب رئيس البنك المركزي الإيراني لسياسة الصرف والتنظيم مهدي خسراي- بور أعلن بعد وقت قصير من حظر عمليات الاستيراد بالدولار أن تلك الخطوة «لن تؤثر» في مستوردات البلاد، وقال إن «على المستوردين أن يطلبوا فقط من نظرائهم الأجانب عرض فواتيرهم بعملات أخرى واستخدام عملات بديلة مثل اليورو في مشترياتهم».وقال مجتابي خوسروتاج وهو رئيس مؤسسة ترويج التجارة إن التعليمات يجب ألا تفضي إلى أي مشاكل جدية فيما يتعلق بنوع البضائع المستوردة وشركاء إيران التجاريين، ولكن للقطاع الخاص الذي يتحمل الكثير من أعباء هذه الإجراءات وجهة نظر مختلفة.وقال فرهاد احتشامزاد، وهو رئيس جمعية مستوردي السيارات، إن البنك المركزي الإيراني ليس لديه مشكلة في التحول الى عملات أخرى بسرعة، ولكن حالة القطاع الخاص مختلفة لأن الكثير من نظرائه الأجانب الذين يريدون تصدير بضائعهم إلى إيران لا يزالون يستخدمون الدولار في فواتيرهم، كما أنهم أقل حماسة إزاء فكرة التحول الى عملات أخرى.وأضاف أن «معدلات صرف الدولار مقابل العملات الأخرى ستضاف الآن على شكل تحديات بالنسبة الى المستوردين وعامل آخر في تقلبات معدلات العملة»، مشيراً إلى أن التجار سيواجهون الآن تكلفة إضافية في أعمالهم التجارية لأن عليهم أن يتكبدوا نفقات اضافية في تغيير العملات.وقال محمد لاهوتي وهو رئيس اتحاد التصدير في إيران إن حظر استخدام الدولار سيفضي الى زيادة تكلفة المستوردات والى الحد منها.وأشار احتشامزاد إلى وضع أسواق إيران خلال الأشهر القليلة الماضية التي أدهشت الخبراء والمسؤولين والتي بدأت قبل موسم أعياد فصل الشتاء، وتم تفسيرها من جانب البنك المركزي الإيراني على شكل طلب موسمي طبيعي يسهم في زيادة معدلات الصرف كل سنة. وتجدر الإشارة الى أن العملات الأخرى استمرت في الارتفاع مقابل الريال الإيراني كما أن الدولار الذي كان يتداول عند 40 ألف ريال في شهر ديسمبر الماضي وصل إلى أعلى مستوياته عند 50 ألف ريال في أواخر شهر فبراير، وإضافة إلى ذلك فإن اليورو وهو عملة إيران المفضلة للحلول محل الدولار ارتفع أيضاً الى مستويات عالية بلغت 62 ألف ريال إيراني.ثم تدخل البنك المركزي الإيراني في سوق العملات بمساعدة من قوات تنفيذ النظام التي شنت حملة ضد بعض التجار والوسطاء وتمركزت سيارات الشرطة أمام مراكز صرف العملات في طهران، وفي غضون ذلك، وبغية استيعاب السيولة سمح البنك المركزي برفع معدلات الفائدة بعد خفضها بنسبة 15 في المئة في الآونة الأخيرة وسمح ببيع شهادات إيداع مدتها سنة عند فائدة سنوية بلغت 20 في المئة.أما الآن وبعد أقل من شهر على التدخل المشار اليه لا يزال الدولار يتداول عند نحو 48 ألف ريال وربما يؤشر على حقيقة جديدة تفضي الى بقاء معدلات الصرف أعلى بكثير من الأسعار الرسمية.ويدعو احتشامزاد الحكومة الى الابتعاد عن موقفها الراهن فيما تنخرط مع الأسواق عن طريق القوة وضرورة تبني خطوات بالتشاور والتنسيق مع القطاع الخاص، وأضاف «نحن نريد من الحكومة اعتماد شروط حقيقية في الاقتصاد وجعل العلاقات الدولية أكثر شفافية وإعطاء البنك المركزي الإيراني الاستقلال والتقدم نحو تحرير معدلات الفائدة». كما انتقد أيضاً حظر الاستيراد بالدولار لأنه يقوض مادتين في القانون الهادف الى تحسين مناخ الأعمال والذي يلزم الإدارة وجهازها التنفيذي بوضوح بالتشاور مع القطاع الخاص، والأخذ بعين الاعتبار آراء ذلك القطاع والكيانات المرتبطة به.حصة الدولار
بحسب بيانات إدارة الجمارك الإيرانية تم استيراد بضائع بما يعادل 47.6 مليار دولار خلال أول أحد عشر شهراً من السنة الإيرانية الحالية، وكانت الصين ودولة الإمارات العربية المتحدة وكوريا الجنوبية وتركيا والهند بين أكبر الشركاء التجاريين، فيما شكلت البضائع المستوردة بصورة مباشرة من الولايات المتحدة أقل من 1 في المئة.وعلى أي حال، وحتى مع عدم وجود إحصاءات رسمية حول حجم دور الدولار في عمليات الاستيراد الإيرانية فإن احتشامزاد قال «نحن لا نستطيع تجاهل حصة الدولار»، ولاحظ أن دولة الإمارات– التي تتعامل مع إيران بالعملة الأميركية– تمثل المشكلة الأكبر في هذا الصدد.وفي حقيقة الأمر، يوجد بعد آخر يحتمل أن يمثل مشكلة إزاء حظر الاستيراد بالدولار وهو احتمالية التهريب المتزايد نتيجة لذلك، ويقول احتشامزاد إن «البضائع المهربة تشكل حصة تزيد على 50 في المئة من المستوردات وتضع المزيد من القيود على نقاط الدخول الرسمية التي يمكن أن تفضي الى زيادة عمليات التهريب.