لا يوقّف بوحنان..
رفّة ريشة فنان حقيقي على وتر عوده هزّت ألفاً ممن يسمون أنفسهم رجال دين، وجمعيات ولجاناً ومؤسسات تعمل منذ أكثر من نصف قرن في المجال الخيري. الخيري... نعم أكررها "الخيري"؛ للتأكيد ونفي علاقتهم بالسياسة والانتخابات وصناعة النفوذ، لا سمح الله، رغم أن الفطرة السليمة المحبة للخير بطبيعتها تفترض من العاملين بالعمل الخيري والإنساني أن يسعدوا إذا ما زاد عددهم، وتضاعفت جهودهم، وتنوعت مصادر التبرعات ومصارفها، في سبيل محاربة الفقر وتغطية كل الاحتياجات الإنسانية قدر الإمكان، وكما نشاهد ذلك عادة من العاملين في مؤسسات العمل الخيري والتطوعي في أي مكان حول العالم، لكن ربعنا دائماً غير!خطورة الخطوة التي أقدم عليها الفنان خالد الملا، في نظر الإسلامويين أعضاء الجمعيات الخيرية وحملات التبرعات الموسمية، لا تكمن في استغلاله -كما يروجون- لموهبة الغناء المحرم عندهم من أجل فعل الخير، فهم أكثر من يعلم قبل غيرهم أن حكم الغناء والموسيقى محل اجتهاد وخلاف شرعي معتبر، من ابن حزم مرورا بالغزالي والشعراوي، ولا ينتهي عند الكلباني والمغامسي، وهي قبل ذلك من الفروع التي يجب أن يعذر بعضنا بعضاً فيها، ثم إنهم كثيراً ما برروا ما يناسب هواهم بقاعدة الضرورات تبيح المحظورات، أو غيرها من القواعد التي يجيدون استخراجها عند الحاجة، لكنه الآن العذر المعلن والأسهل للترويج والتخويف.
إنما خطورة المبادرة الحقيقية بالنسبة إليهم تأتي من جانبين يؤدي أحدهما إلى الآخر، فهم من خلال محاولاتهم الدؤوبة للتحكم بالمزاج العام السائد، ورسم حدود الحلال والحرام عند الناس، يهدفون لاحتكار الطرق المؤدية للجنة قدر الإمكان، بحيث لا يمكن للناس الوصول لها بفعل الخير إلا بواسطة التبرع لجمعياتهم ومبراتهم "الخيرية" الخالصة لوجه الله تعالى، والتي لا تمهد الطريق لأذرعهم السياسية نهائياً، لا سمح الله، فهم ببساطة يريدون استمرار حالة البؤس والنكد وتأنيب الضمير من جهة، لسهولة التأثير على صاحبها وتوجيهه بأي اتجاه وقضية، كما أن هذه الحالة الكئيبة تؤدي بالضرورة إلى زيادة مبالغ الصدقات والتكفير عن الذنوب، بحثاً عن الشعور بالراحة النفسية التي سيصب ثمنها في جمعياتهم "الخيرية" طبعاً.وها قد جاءهم فنان بسيط، استشعر أزمة الغارمين في السجون، وبدافع إنساني بحت بلا مخطط ولا دوافع غير فعل الخير، يريد منافستهم من حيث لم يكن يعلم أو يتوقع، في سوق جمع الأموال والتبرعات، مما قد يفتح الأعين وباب المنافسة عليهم وعلى جمهورهم وأفكارهم ومزاجهم الذي يسعون لفرضه وتصويره بأنه الطريق الوحيد لرحمة الله وجنانه، فقد صار بإمكانك بفضل مثل هذه المبادرة أن تذهب لحفلة وتفرح و"تستانس" وترقص وتعمل خيراً بنفس الوقت، وسيزيد أجرك الذي سيوصلك لحسن الخاتمة بطريقة أسهل وأبسط وأيسر مما توقعت أو صُور لك، وسترتاح نفسياً كذلك، وكل ذلك سيقتطع من حصة جمعياتهم السوقية... ثم تتوقعون سكوتهم؟! خالد الملا بعفويته وخفة ظله وشعبيته الجارفة وقف في وجه قوى ينافقها الكثير من السياسيين والنشطاء والرموز والنواب والحكومات، وفتح باباً لم يجرؤ على لمسه أحد قبله، وأظن أنها فرصة مناسبة لفتحه "عالآخر" ودعم المبادرة وتوسيعها قدر المستطاع، سواء بدعمها ورعايتها من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص، أو بمشاركة كبار الفنانين له في حفلته المنتظرة، فالفن ليس مجرد أغانٍ تذهب هي وصداها بلا رجعة، ولو كان بيدي من الأمر شيء لفتحت لهم استاد جابر، ليعم الفرح والخير والسرور والحسنات على أهل الكويت جميعاً.توكل على الله بوحنان، ونبيها صبّاحي.