هل انتهى مستقبل الإخوان المسلمين في الخليج؟
عندما قال وزير التعليم السعودي أحمد بن محمد العيسى إن بلاده تعمل على تجديد مناهجها التعليمية للقضاء على أي أثر لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين، كان هذا اعترافاً واضحاً بحجم التأثير والنفوذ والتغلغل الذي تمكنت منه جماعة الإخوان المسلمين، ليس فقط في المجتمع السعودي ولكن في المجتمع الخليجي ككل. أيضاً يأتي هذا الإعلان عن هذه الإجراءات كامتداد لتوجه بدأ منذ أشهر، كانت إحدى علاماته الواضحة ما أعلنته في سبتمبر الماضي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنها ستفصل الموظفين المشتبه في علاقتهم بجماعة الإخوان.وأضاف العيسى أن "وزارة التعليم السعودية بدأت أيضا بإبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها من أي منصب إشرافي أو تدريسي"، وأن "السلطات لم تتنبه إلى خطر الإخوان إلا في وقت متأخر، حيث بدأت الجهود ولا تزال لتخليص النظام التعليمي من شوائب منهج الجماعة".علاقة "الإخوان" بالخليج بدأت من السعودية، فقد تأثروا في نشأتهم بتجربة جماعة "الإخوان" في السعودية. مؤسس الجماعة ومرشدها الأول حسن البنا أثناء حراكه السياسي في مواسم الحج، التقى بالملك عبد العزيز آل سعود عام (1936) وطلب إنشاء فرع للإخوان في المملكة، فرفض الملك قائلاً: "كلنا مسلمون، وكلنا إخوان، فليس في دعواك جديد علينا".
هكذا تعود جذور جماعة "الإخوان المسلمين" في الجزيرة العربية إلى المرحلة المبكرة من عمر الجماعة في بلد المنشأ، مصر، حين ذهب الشيخ حسن البنا، المؤسس والمرشد العام إلى الحجاز في ثلاثينيات القرن الماضي. وبرغم تفرّد كل بلد من بلدان الجزيرة العربية برواية خاصة حول البداية الفعلية لنشاط الجماعة، وطبيعة التشكيلات الحركية بحسب أوضاع كل بلد، فإن دول مجلس التعاون الخليجي شكّلت نطاقاً جغرافياً موحّداً، من حيث السمات المشتركة لتنظيمات الإخوان المسلمين فيها، بفواعلها الاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومشروعاتها، وإلى حد كبير مآلاتها.ومما ساعد على رواج المشروع الإخواني، تشرّب الطلاب ورجال الأعمال الخليجيين الذين زاروا مصر في الأربعينيات أفكار الجماعة، وسيّلوها في مشاريع حركية ودعوية في أوطانهم.تجربة "الإخوان" في دول الخليج تبدو متشابهة في هذه الدول إلى حد كبير، في العهد الناصري هاجر "الإخوان" من مصر بعد صدامهم مع النظام ومحاولتهم القفز على الحكم والانقلاب عليه، وتوسّط الملك سعود عند جمال عبدالناصر في أزمة "الإخوان" الأولى، واستجيب له نسبيا، ولكن "الإخوان" عادوا إلى محاولاتهم الانقلابية فعاد الصدام من جديد. وجد أعضاء الجماعة الهاربون في الدول التي هربوا إليها سماء آمنة فنشروا وانتشروا واستطاعوا أن يتواجدوا خاصة في منطقتي التعليم والاقتصاد. سيطر المنتمون للإخوان المسلمين على المناحي التعليمية في الجامعات تحديدا في عقدي السبعينيات والثمانينيات، وكذلك على العديد من المنابر الإعلامية ومنابر الدعوة. انتشر أعضاء الجماعة وكونوا تنظيمهم وشعبهم تحت أعين الحكومات الخليجية في معظم الأحيان، ولم يدركوا وقتها أنهم يربون ثعباناً داخل ثيابهم، اعتقدوا أن مزيجاً من الدعم والاستيعاب يمكن أن يضمن لهم مناخا مستقرا، لم يدركوا وقتها أنهم يحولون الخليج إلى منطقة تمركز وانطلاق جديدة لتنفيذ مخططات هذه الجماعة.بعد الصفقة السياسية في عهد السادات مع الإخوان زار الهضيبي السعودية، وعقد عام (1971) اجتماعا موسعاً للإخوان، تَشَكّلت فيه ملامح التنظيم الإقليمي، الذي ضمّ إخوانًا آخرين من البحرين والإمارات والكويت، وعلى الرغم من هذا التوسع الجغرافي في التنظيم اعتقد عديدون أن دور "الإخوان" الخليجيين لم يزد عن جباية الأموال. لكن الحقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين الخليجية لم تعد تلك التي تجمع التبرعات والصدقات في الشوارع العامة والجوامع والمساجد، ولا يقتصر عملها على كفالة الأرامل والأيتام، ولكنها أصبحت ذراعاً سياسية واقتصادية للجماعة الأم، والأخطر أنها تبنت الفكر الانقلابي في دول مجلس التعاون، كما صرح وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان من قبل.الوعيد الأخير الذي الذي أطلقه ولي العهد السعودي خصّ به جماعة الإخوان المسلمين باجتثاثهم من بلاده، وتعهد بالقضاء على ما تبقى من "فكر عناصر جماعة الإخوان المسلمين الذي غزا المدارس السعودية"، ويعد هذا أول تهديد بفعل حازم يصدر من قيادة سياسية، كون الجماعة إرهابية، لا مجرد تصنيفها فقط. هذا الوعيد باجتثاثهم من التعليم وغيره، سبقته تحركات وإجراءات تتجاوز مجرد تصنيفهم في خانة الإرهاب، بل تتعامل معها كجماعة إرهابية حقيقية.