امتدت احتفالية مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي بالفنان الراحل أبوبكر سالم لليوم الثاني على التوالي، إذ شهد المسرح الوطني ثانية أمسيات الاحتفالية الكبرى التي تهدف إلى تكريم واحد من أهرام الأغنية الخليجية، الذي قدم على مدار سنوات عديدا من الأعمال المميزة التي اتسمت بصدق الكلمة وعذوبة اللحن، لذلك مازالت راسخة في وجدان الجمهور وتتناقلها الأجيال.أحيا الحفل نخبة من نجوم الساحة الفنية الخليجية، ولعل اختيار المطربين من مراحل عمرية مختلفة يؤكد مدى تأثير أعمال أبوأصيل، فضرب الحضور موعدا مع أصوات سفير الأغنية الخليجية، الفنان عبدالله الرويشد، والفنان اليمني القدير أحمد فتحي، والفنان مساعد البلوشي، والنجم الشاب مطرف المطرف، والعائد بقوة للمشهد الفني بدر نوري، بينما تخلل الحفل بعض اللقطات المسجلة التي توثق محطات مهمة في مشوار الراحل.
وفي الوقت المحدد رفع الستار عن المسرح لأعضاء فرقة مركز الشيخ جابر الأحمد الموسيقية بقيادة المايسترو د. محمد باقر، لتنطلق رحلة الإبداع التي استغرقت 180 دقيقة تقريبا، وكانت البداية مع الفنان بدر نوري، وهو أحد أبرز الأصوات، وتعتبر عودته للمشهد مجددا من خلال الحفلين مكسبا حقيقيا، وأدى بدر أغنيتين من أرشيف أبوبكر، هما «لو خيروني» من كلمات وألحان حسين المحضار، وسط تفاعل كبير من الجمهور الذي كان متحمسا منذ بدأ نوري الغناء، فتجلى الفنان طربا في اختياره الثاني لأغنية «إمتى أنا أشوفك» من كلمات وألحان أبوبكر سالم.بينما كانت الإطلالة الثانية في الحفل من نصيب الفنان مطرب المطرف الذي أشجى الجمهور بثلاث أغنيات لاقت استحسان الحضور، وهي «أقبلت تمشي» من كلمات حسن البصري وألحان أبوبكر سالم، بينما كانت أغنية «دون يا قلم» هي الاختيار الثاني للمطرف الذي صال وجال بصوته، وبلغ الذروة مدفوعا بحماس الجمهور في أغنية «كنت متوقع أشوفك» من كلمات نجيب بطيش وألحان محمد شفيق، قبل أن يودع المسرح ليتابع الجمهور لقطات مسجلة من تكريم أبوبكر سالم في الكويت.
طابع توثيقي
في حين كان فارس الوصلة الثالثة الفنان مساعد البلوشي، الذي اختار أغنيتين من أبرز ما كتب ولحن الراحل أبوبكر سالم، وهما «يا سمار»، و»عادك إلا صغير»، فحظي بقسط كبير من تحية الجمهور على الأداء المتزن والطلة الهادئة والتفاعل مع الحضور، فسرى صوت البلوشي في المسرح الوطني لينتقل بعشاق «أبوأصيل» الى زمن الفن الجميل، قبل أن يترجل ويترك الحضور لمتابعة لقطات مسجلة عن تعلق أبوبكر سالم بالشعر، حيث عرضت مقتطفات من لقاءات سابقة له يتحدث فيها عن ولعه بالكلمة المكتوبة، قبل أن يخوض معترك الغناء والتلحين، وهنا تبرز أهمية الاحتفالية لكونها تحمل طابعا توثيقيا لمشوار إحدى قامات الأغنية العربية.وعقب فاصل قصير زاد خلاله حماس الجمهور، أطل الفنان اليمني القدير أحمد فتحي، الذي خطا على المسرح متأبطا العود ليختار أن يستهل وصلته بأغنية «سلام يا أحباب قلبي» من كلمات وألحان حسين المحضار، واستطاع الفنان المخضرم أن يحافظ على إيقاع الحضور، فانتزع الآهات وشاركهم الغناء، وفي لحظات صمت استمع إليهم، ليكمل وصلته ويشدو بـ «نسم القلب دنياه»، من كلمات علوي بن شهاب وألحان الراحل أبوبكر سالم، واختتم فتحي وصلته بأغنية من ألحانه وهي «ظبى اليمن»، للشاعر د. عبدالعزيز المقالح، ليودع الفنان اليمني الجمهور بعد دقائق ترك خلالها أثرا طيبا في القلوب وذكرى ستبقى للأبد.مسك الختام
وقبيل أن يطل ويحلق بالجميع إلى سماء الإبداع بصوته الشجي وحضوره الأخاذ، عرضت شاشة المسرح الوطني فيلما تسجيليا يوثق لبعض المحطات في مسيرة أبوبكر سالم، خصوصا تعاونه مع الفنان عبدالله الرويشد وشهادة أبوبكر في حق بوخالد، وكان من اللافت اعتماد الفيلم على مقتطفات من حوارات أجراها الراحل، فضلا عن بعض المداخلات للرويشد لتوثيق التعاون الفني بينهما، من ثم اعتلى الرويشد المسرح ليستقبله الجمهور بعاصفة من التصفيق، ويبدأ بوخالد فقرته بأغنية «يا ناسين الحبايب»، من كلمات وألحان الراحل أبوأصيل، أما اختياره الثاني فكان لأغنية «سر حبي» من كلمات الناصر وألحان أبوبكر سالم، وكانت «المصلحة» هي ثالثة الأغنيات التي قدمها الرويشد الذي مضى في وصلته والابتسامة لا تفارق محياه، ليشدو بأغنية «ما علينا يا حبيبي»، من كلمات وألحان أبوبكر سالم، وقبل أن يختتم الحفل ترك الرويشد الجمهور ليستمتعوا بعزف صولو للفنان جراح الحداري، ليكتب بوخالد كلمة النهاية للحفل بأغنية «ما في أحد مرتاح» من كلمات الناصر، وألحان أبوبكر سالم.إشادة بأداء فرقة مركز جابر الموسيقية
تميزت فرقة مركز الشيخ جابر الأحمد الموسيقية بقيادة المايسترو د. محمد باقر، على مدار حفلين استضافهما المركز، بالعزف المنضبط والدقة، لاسيما أن أغنيات الفنان الراحل تتميز بالموسيقى الشجية، والعزف الجميل، إضافة إلى حضور قوي إلى الصولوهات، كما أبدعت الفرقة في تقديم مجموعة كبيرة من أغنيات الراحل بحناجر مختلفة لمطربين ينتمون إلى أجيال ومدارس فنية متباينة.ونظراً لهذا التميز والتفرد في العزف، جاءت شهادة حق بهذه الفرقة وعلى رأسها المايسترو د. محمد باقر، من الفنان عبدالله الرويشد، الذي امتدح أداء الفرقة.