في مقال منشور على هذه الصفحة يوم الاثنين الماضي تحت عنوان "أخطاء في قانون تعارض المصالح" كتبه البرلماني وزير العدل الأسبق السيد أحمد باقر وجه فيه بعض المثالب إلى هذا القانون، وانتهى منها إلى أنه "ينطبق على الآلاف من موظفي الدولة الذين يملكون مثل غيرهم من الكويتيين حصصا متواضعة في البنوك والشركات المساهمة العامة والمقفلة وغيرها، التي تتعامل مع الوزارات بشكل طبيعي فإنه ووفقا للقانون فإن هؤلاء الموظفين في حالة تعارض مصالح، وعليهم حسب المادة 5 إزالة هذا التعارض، إما بترك الوظيفة العامة أو التنازل عن الملكية".ومن الطبيعي والمنطقي أن تكون الوقاية من تضارب المصالح هدفا لإرساء مبدأ الشفافية والنزاهة في المعاملات الاقتصادية والتجارية، وفي استثمار أموال الدولة وإدارتها وفي العمل على مكافحة الفساد ودرء مخاطره.
ومن الطبيعي والمنطقي أيضا أن يتصدى مجلس الأمة لهذا الموضوع، وقد تراجعت الكويت في الإحصاء العالمي لمدركات الفساد وللوقاية منه، لتفعيل القوانين المعمول بها في الكويت والتي تحظر التعارض في المصالح.حمد الجوعان وتعارض المصالحوهو ما تصدى له مجلس الأمة، بعد عودة الحياة النيابية في الفصل التشريعي السابع، حيث قاد البرلماني الفذ الراحل حمد الجوعان لواء إقرار قانون يعاقب على تعارض المصالح، وكان الجوعان قد قدم استجوابا في الفصل التشريعي السادس حول تعارض المصالح أدى إلى طلب طرح الثقة إبان رئاسته للجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس، وبعد العديد من اجتماعات اللجنة التي عقدها للاستماع إلى آراء الجهات المعنية والخبراء والمتخصصين أن يقدم إلى المجلس الموقر باكورة أعماله التشريعية، في هذا الفصل وهو القانون رقم 1 لسنة 1993، بشأن حماية الأموال العامة.وقد أفرغت اللجنة كل ما يحتمله تعارض المصالح من صور تقتضي التجريم في نصوص غاية في الدقة والحذق والمهارة والحبكة في الصياغة. وكان من بين أعضائها السيد أحمد باقر كاتب المقال والدكتور يعقوب حياتي وعبدالله الرومي ومحمد ضيف الله شرار ومشاري العصيمي وشارع العجمي.التعارض وفقاً لقانون حماية الأموال العامةوقد شمل هذا القانون بالعقاب كل موظف أو مستخدم أو عامل يعمل في الدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة أو الشركات والمنشآت التي تساهم فيها هذه الجهات يرتكب فعلا من الأفعال الآتية:1- تعمد إجراء صفقة أو عملية أو قضية أو إجراء مفاوضات أو ارتباط أو اتفاق أو تعاقد مع أي جهة داخل البلاد أو خارجها في شأن من شؤون تلك الجهات، إذا كان من شأن ذلك ترتيب حقوق أو التزامات مالية للدولة أو غيرها من الجهات المذكورة على نحو يضر بمصلحتها ليحصل على ربح أو منفعة لنفسه أو لغيره.2- كل من كان له شأن في إدارة المقاولات أو التوريدات أو الأشغال المتعلقة بإحدى الجهات المشار إليها، أو الإشراف عليها، حصل أو حاول أن يحصل لنفسه بالذات أو بالواسطة أو لغيره بأي كيفية غير مشروعة على ربح أو منفعة من عمل من الأعمال المذكورة.3- كل من أفشى أي معلومات عن الأعمال التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها أو وفقا لتعليمات خاصة إذا كان من شأن الإفشاء بها الإضرار بمصلحة هذه الجهات أو تحقيق مصلحة خاصة لأحد.4- كل من ألحق بخطئه ضررا جسيما بأموال أو مصالح الجهة التي يعمل بها أو يتصل بها بحكم وظيفته أو بأموال الغير أو مصالحه المعهود بها إلى تلك الجهة. بأن كان ذلك ناشئا عن إهمال أو تفريط في أداء وظيفته أو عن إخلال بواجباتها أو عن إساءة في استعمال السلطة داخل البلاد أو في خارجها.5- كل من أخطأ خطأ جسيما وترتب على الجريمة إضرار بأوضاع البلاد المالية أو التجارية أو الاقتصادية أو بأية مصلحة قومية لها أو إذا ارتكبت الجريمة في زمن الحرب.6- كل من احتفظ بأصول وثائق رسمية أو صور منها تتعلق بإحدى الجرائم المذكورة في هذا القانون ولم يسارع إلى تقديمها إلى سلطات التحقيق رغم علمه بوجود تحقيق يجري فيها.الجريمتان محور القانون الجديدفيما نصت عليه المادة (4) من هذا القانون من أنه: "مع عدم الإخلال بأحكام المادة (22) من القانون رقم (2) لسنة 2016 المشار إليه، يكون الخاضع (للقانون) في حالة تعارض مصالح تشكل جريمة فساد في إحدى الحالتين الآتيتين:1- تحقق منفعة أو فائدة أو مصلحة مادية أو معنوية له أو لأي شخص من المنصوص عليهم في المادة السابقة من خلال قيامه أو امتناعه عن أي عمل من أعمال الوظيفة التي يشغلها منفردا أو بالاشتراك مع آخرين.2- امتلاكه أي حصة أو نسبة من عمل في أي نشاط، له تعاملات مالية مع جهة عمله.فالقانون يعتبر كل حالة من الحالتين جريمة قائمة بذاتها مستوفية أركانها الثلاثة (الشرعي طالما نص عليها) والمادي والمعنوي، ويعتبرهما وحدهما دون غيرهما، يشكل كل منهما جريمة فساد.ولنبدأ بالحالة الثانية المجردة من أي عمل أو امتناع عن عمل اعتمادا على تعريف للقانون لتعارض المصالح بأنه: "كل حالة يكون للخاضع منفعة أو فائدة أو مصلحة مادية أو معنوية تتعارض مع ما يتطلبه منصبه أو وظيفته من نزاهة واستقلال وحفظ المال العام أو تكون سببا لكسب غير مشروع لنفسه أو لغيره".ولكن يظل الأمر حالة والجريمة فعلا أو امتناعا عن فعل يجرمه المشرع إذا ترتب عليه تحقيق هذه المنفعة.وتجي المادة (5) من هذا القانون لتنص على أنه: "في حالة قيام إحدى حالات تعارض المصالح يتعين على الخاضع الإفصاح عن هذه الحالة وفقا للضوابط المبينة في هذا القانون، وله في ذلك إزالة هذا التعارض إما بالتنازل عن المصلحة أو ترك المنصب أو ترك الوظيفة العامة".ومؤدى أحكام هذه المادة أنها توجب على الخاضع لأحكام هذا القانون إتيان أمرين مجتمعين هما:• الإفصاح عن هذه الحالة.• إزالة هذا التعارض إما بالتنازل عن المصلحة أو ترك المنصب أو الوظيفة العامة.وفي جميع الأحوال عليه وفقا للفقرة الأخيرة منها اتخاذ كل الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع ضرر للمصلحة العامة.جعلوني مجرماًوهو عنوان فيلم مصري قديم شاهدته منذ نصف قرن تقريباً، وهو يصلح أن توصف به الحالة التي أصبح فيها الأغلب الأعم من موظفي الدولة، ذلك أن كل موظف أو عامل أو مستخدم يملك سهما أو أكثر في شركة من الشركات المساهمة العامة التي لها تعاملات مالية مع الدولة أو الهيئات العامة أو المؤسسات العامة، وكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أو المجلس البلدي، منتخبا أو معينا في الحالتين، وكل المحكمين والخبراء ووكلاء النيابة المصفين والحراس القضائيين، وكل شخص مكلف بخدمة عامة وأعضاء مجالس إدارة ومديري المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت وموظفيها ومستخدميها، إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأي صفة كانت.كل واحد من هؤلاء يملك سهما أو أكثر في شركة مساهمة لها معاملات مالية مع الدولة يكون في حالة تعارض مصالح، يجرمها قانون حظر تعارض المصالح ويعاقب عليها بعقوبة تصل إلى الحبس المؤبد أو المؤقت إذا لم يفصح عما يملكه من أسهم في هذه الشركة، ولم يبادر إلى التصرف في أسهمه لإزالة هذا التعارض أو لم يقم باعتزال وظيفته وعمله، ولو لم يكن له أي صلة بهذه المعاملات المالية.وللحديث بقية حول المخالفات الدستورية التي وقع في حومتها هذا القانون إن كان في العمر بقية.
مقالات
ما قــل ودل: جعلوني مجرماً في قانون حظر تعارض المصالح
25-03-2018