رياح وأوتاد: كيف وافق النواب أن تضع الحكومة قواعد سلوكهم؟
استكمالاً لمقالة الأسبوع الماضي حول أخطاء قانون تعارض المصالح الذي أقر في عجالة الأسبوع الماضي، أتطرق اليوم إلى خطأ فادح آخر في هذا القانون وهو أن المجلس وبالإجماع قد فوض الحكومة لوضع قواعد السلوك لهم، وهذا من أغرب وأسوأ الأخطاء. فقد نصت المادة الثانية من هذا القانون على أن الخاضعين له هم جميع موظفي الدولة، وأيضاً من تسري عليهم أحكام قانون هيئة مكافحة الفساد، أي الوزراء والنواب والقضاة، ونصت المادة العاشرة من هذا القانون على أن تنظم اللائحة التنفيذية لهذا القانون ضوابط وقواعد السلوك العام الواجب تطبيقها على الخاضعين لهذا القانون، وأخيراً نصت المادة (19) على أن تصدر بمرسوم اللائحة التنفيذية لهذا القانون خلال ثلاثة أشهر، ومعنى أنها تصدر بمرسوم أي أنها توضع من قبل الحكومة وتصدر بمرسوم أميري.وهكذا يتبين أن الحكومة وفقاً لهذا القانون هي التي تضع اللائحة التنفيذية التي يجب أن تحتوي على قواعد السلوك للنواب بتفويض من النواب أنفسهم، فكيف يقبل النواب أن تضع الحكومة قواعد السلوك لهم وللقضاة أيضاً؟ وهل سيقبل رجال القضاء بذلك؟
لقد نص الدستور على أن يضع المجلس لائحته الداخلية بنفسه (مادة 117)، وصدرت بقانون بعد ذلك، ولم يفوض الدستور الحكومة لإصدارها بمرسوم وذلك حفظا لحقوق النواب واستقلالهم، وهذا يؤكد أن اللائحة الداخلية للمجلس هي المكان السليم لقواعد السلوك التي يعبر عنها أيضا بالقيم البرلمانية التي يعمل بها في سائر البرلمانات في العالم. وقد تقدم عدد من النواب السابقين ومنهم أنا شخصيا باقتراح إضافة مادة واحدة في اللائحة الداخلية لإنشاء لجنة القيم في المجالس السابقة، وتقدم بها الأخ عبدالله الرومي في المجلس الحالي، وهي الأداة المناسبة لتجريم قبول أي نائب لأي هدية أو عطية مالية أو عينية تزيد قيمتها على حد رمزي معين، ولكن المجلس للأسف لم يقر هذه الاقتراحات وذهب بعيدا عنها ليفوض الحكومة في وضع قواعد السلوك الخاصة به. (عجباً).• القلوب المريضة: في مقال الأسبوع الماضي ذكرت أن القوانين الجزائية لا رجعة فيها، وهي معلومة دستورية بدهية في كل بلاد العالم، وذكرت أيضاً أن قانون تعارض المصالح الذي تمت الموافقة عليه لا يحتوي على نص يجرم هدايا النواب، وذلك في دعوة واضحة لتضمين القانون مواد تجرم هذه الهدايا، إلا أن بعض الخصوم أشاع أن هذا دفاع عن القبيضة رغم وضوح القصد واللغة، فلا حول ولا قوة إلا بالله سبحانه القائل: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ". ولكن في المقابل أشكر الأساتذة الأفاضل الذين أيدوا ما ذهبت إليه د. عبدالفتاح حسن، ود. نواف الياسين، والنائب عبدالله الرومي، والمستشار شفيق إمام، والأساتذة عبدالمحسن جمعة، ومشاري الخشرم، وغيرهم ممن اتصل أو كتب فجزاهم الله خيراً.