إفشال «الكويتية» من أجل الخصخصة
من ضمن الطرق الملتوية التي باتت معروفة عالمياً في عمليات الخصخصة ولا سيما في الدول النامية قيام مجموعة تجارية تنتوي شراء المؤسسة العامة المُربحة بتشويه سمعتها أمام الرأي العام، ووضع عراقيل مالية وإدارية أمامها وذلك بمساعدة مسؤولين كبار في الجهات الرسمية التي تتعامل معها المؤسسة، ولهم علاقة مباشرة بالمجموعة التجارية سواء في الملكية أو أنهم يقومون بذلك مقابل رشا وعمولات مجزية، وذلك بجانب تدخلات الحكومة سواء في تعيينات الإدارة العليا والإدارات التنفيذية التي غالباً ما تكون عبارة عن ترضيات سياسيةلا كفاءة وتكافؤ فرص، أو عن طريق فرض أجندات سياسية على السياسة الداخلية للمؤسسة تُكبلها وتجعلها غير قادرة على المنافسة في سوق تجاري مفتوح على مصراعيه، والنتيجة الحتمية هي تحقيق المؤسسة العامة خسائر مالية مع المبالغة إعلامياً بشكاوى العملاء من سوء خدماتها، وعندئذ تسهل عملية المطالبة بخصخصتها فتقتنص المجموعة التجارية الفرصة للاستحواذ عليها برخص التراب كما يقال، وهو ما يكلف المال العام الكثير من الخسائر.
ولو نظرنا إلى ما يجري منذ سنوات لمؤسسة الخطوط الجوية الكويتية التي تعتبر مؤسسة عامة مُربحة بالمقاييس التجارية لا سيما بعد تجديد أسطولها الجوي، فضلاً عن كونها الناقل الوطني وتحمل علم الدولة، لوجدنا أن ما ذكر آنفاً ينطبق عليها تماماً، حيث إن هناك حملة إعلامية مستمرة ضد "الكويتية" تقودها مجموعة تجارية من المعروف للقاصي والداني أن لها مصلحة مباشرة في إفشال "الكويتية"، حيث إنها منافسة قوية لها في السوق المحلي، وقد يكون في نية المجموعة التجارية ذاتها الاستحواذ عليها بسعر زهيد عن طريق الخصخصة. يضاف إلى ذلك تعيينات مجالس الإدارة من قِبل الحكومة، والتي لا تخلو من ترضيات سياسية وربما تعارض مصالح، ثم تغييرها عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية من دون مبررات منطقية، مما يعني عدم استقرار السياسة الداخلية للمؤسسة، ناهيك عن التسهيلات التي تقدمها الأجهزة الحكومية للشركات الخاصة المنافسة، في حين تُحرم منها "الكويتية" مما يجعل عملية المنافسة غير متكافئة، وهو الأمر الذي أشارت إليه الرئيسة السابقة لمجلس إدارة مؤسسة "الكويتية" السيدة رشا الرومي في كتاب استقالتها أو بالأحرى إقالتها التي ما زالت مثار جدل. وتجدر الإشارة هنا إلى ما ذكرناه مراراً من أن الملكية العامة ليست هي السبب في تردي خدمات "الكويتية"، فالخطوط الجوية "الإماراتية"، و"القطرية"، و"السنغافورية"، وطيران "الاتحاد" جميعها شركات حكومية وتحقق أرباحاً سنوية على الرغم من الظروف السيئة التي تواجه سوق الطيران في العالم، كما أنها تحصل على جوائز عالمية باستمرار لخدماتها المتميزة، وتحتل مراكز متقدمة ضمن أفضل خطوط طيران في العالم، فمتى ترفع الحكومة يدها من التدخل السياسي في إدارة "الكويتية"، وتوفر لها تسهيلات تحميها من المنافسة غير المتكافئة للشركات الخاصة، بدلاً من إفشالها وتجهيز بيعها بسعر زهيد لمجموعات تجارية لا هدف لها سِوى تعظيم أرباحها؟