أشاعت الفرقة الهنغارية الشعبية الوطنية البهجة، ونثرت السعادة أنغاما على جمهور مسرح عبدالحسين عبدالرضا، الذي توافد مساء أمس الأول بالعشرات، لمتابعة شتى ألوان الإيقاعات الموسيقية والرقصات الاستعراضية الحية، في أمسية استثنائية تنبض بالحياة كان عنوانها الإبداع، ولعب خلالها العنصر البشري دور البطولة، متمثلا بالفريق الاستعراضي الهنغاري.وقدَّمت الفرقة في حفلها الأول على مسرح عبدالحسين عبدالرضا على مدار ساعة ونصف الساعة شتى أنواع الرقصات المستوحاة من التراث الهنغاري، على وقع موسيقى أثارت في النفوس البهجة، وكانت همزة الوصل بين مختلف الفقرات.
وجاءت الأمسية الهنغارية الأولى ضمن جدول العروض والأنشطة الثقافية التي يقدمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بالتعاون مع سفارات الدول الصديقة بالكويت، للتعريف بثقافات الدول الأخرى، ولتأكيد دور العمل الثقافي في مد جسور التواصل مع مختلف شعوب الأرض، وإثراء المشهد الفني بالكويت على مدار العام.وتلعب تلك الأنشطة الثقافية دورا حيويا في التعريف بثقافات الدول، وتساهم في التطور الفكري والحضاري الإنساني، كما تشكل فرصة لتعزيز التعاون والتبادل الثقافي بين الدول. ولعل المتابع لأنشطة المجلس الوطني في هذا الصدد يلمس الاهتمام الكبير بالموسيقى، لاسيما أنها لغة عالمية واحدة تؤلف بين القلوب، وتجمع شتات الثقافات.وتتكون الفرقة الهنغارية من قائد الأوركسترا فيرينك راديكس، وراقصي وأوركسترا الفرقة الشعبية الهنغارية، وفي الغناء المنفرد ميلان هيتيني وأستاذ الرقص ريتشارد كوكييني، إضافة إلى مساعدي الرقص: بياتريكس بوربيلي، كاتالين جافور، وجيورجي أغفالفي، والمدير الفني استيفان بال سزالونا، ومدير الفرقة غابور ميهالي.
لوحات غنائية راقصة
وتميَّزت الفرقة بأزيائها الشعبية في تقديم اللوحات الغنائية الراقصة المستمدة من أنغام الأرياف والتراث الشعبي، مثل: رقصة فيربانك السريعة، ورقصات "العصا والزجاجة" و"الجذب" و"البريد" و"التشاردش".كما قدَّم أعضاء الفرقة مجموعة من الرقصات الفلكلورية المتنوعة، مثل: "تدوير الفتيات" و"القيثارة" و"الفتيان الماهرين" و"فتيات في بيت الغزل" و"برافادو"، علاوة على عزف مقطوعات أغاني الرعي، ومعزوفات فردية على آلة الكمان لاقت استحسان الجمهور، الذي كان يزداد حماسا بمضي الوقت. وكانت رقصة "الرابسودي" الشعبية هي الأبرز، وشهدت تفاعلا كبيرا من الجمهور معها، وهي عبارة عن قالب موسيقي قومي هنغاري (غجري)، وتعود جذورها إلى التقاليد القديمة، وتستوحي أجواءها منها، وهي تأتي بطيئة تارة، وسريعة تارة أخرى، لتتناسب مع الألحان، بما يعكس طابع الحياة في هنغاريا، وأجواء الأرياف وروحها.محطات تاريخية
تأسست الفرقة الهنغارية الشعبية عام 1951، وتألفت في الأصل من فرقة رقص وجوقة وأوركسترا. كان المقطع الموسيقي المرافق للآلات الفردية يرتكز على أسلوب أوركسترالي غجري تقليدي، لكنه تغيَّر قليلا، خدمة للمهام الفنية الرائجة، وقدَّمته الأوركسترا الشعبية بقيادة لازلو غولياس.أما الجوقة، فكانت بقيادة إيمري سينكي. وقدَّم مصمم الرقص والمدير الفني ميكلوس راباي من جهته الرقص الشعبي الأصلي، بأنواع مختلفة ومتعددة على المسرح، من بينها ما كان على شكل رقصات نسائية أو رجالية منفصلة، أو مقطوعات رقص خاصة بمناطق فردية، إضافة إلى ألحان تهدف إلى تقديم التقاليد الشعبية، حيث تكتمل القطع بفضل التعاون المتناغم بين الفروع الثلاثة.وأراد سينكي أن يستعمل أغانيه الراقصة لإعطاء أثر درامي، وحاول في قطعه المعاصرة أن يثبت إمكان العيش في العصر الراهن، تزامنا مع التمسك بجذور الماضي.وبدأت "حركة بيت الرقص" بتجسيد نشاطاتها خلال السبعينيات، وطرحت موجات جديدة في الرقص الشعبي على المسرح أيضاً. وجَّهت الحركة أنظار أعضائها الشباب نحو القيم التقليدية في حوض الكاربات، وحوَّلت تقاليد الفلاحين التي كانت ترتبط بالرقص والموسيقى منذ قرون إلى شكل جديد من الترفيه المعاصر.كان ساندور تيمار واحدا من منفذي الحركة عمليا، وحصل على الدعم الفكري من الباحث في مجال الرقص الشعبي جيورجي مارتن، وتم تعيينه لقيادة الفرقة الشعبية عام 1981. اعتبر تيمار في نسخته من فن الشعر أن تعلّم الرقصات الشعبية الأصلية كشكل من الرقص الاجتماعي شرط مسبق. وأولت الحقبة التي اشتهر فيها اسمه الأهمية الكبرى للكشف عن النزعة الفردية للرقص الشعبي الأصيل، ومدى تنوعه وجماله، ما مهد لإطلاق نهضة "لغوية" للفرقة الهنغارية الشعبية.وبدءاً من عام 1998، أصبح فيرينك سيبوك المدير الفني للفرقة الهنغارية الشعبية. إنه موسيقي شعبي وملحن، وأحد مطلقي حركة بيت الرقص في هنغاريا. وهو استدعى أستاذ الرقص غابور ميهالي الذي كان تلميذ ساندور تيمار، ولطالما اعتبر التعرف بعمق إلى الرقصات الشعبية الأصلية نقطة البداية لتصاميم الرقص كافة المُعدة للمسرح.صورة جديدة
ونظمت القيادة الجديدة للفرقة الشعبية افتتاحا لبرنامجها، وجددت صورتها. قدمت العروض مجموعة متنوعة من الأساليب، إضافة إلى الرقصات الهنغارية الشعبية الشبيهة بفن الرسم والمُقدَّمة وفق المناطق الفردية. شمل البرنامج أيضا عروضا راقصة تاريخية وحفلات راقصة مدهشة مستوحاة من الموسيقى العالمية التي اعتبرت الرقص لغتها الأصلية، ووضعته في سياق جديد.واعتباراً من عام 2002، ساد نبض جديد في العمل الفني الذي تقدمه الفرقة الشعبية بقيادة المدير الفني غابور ميهالي ومساعديه المصمِّمين. لتحديث العروض والحفاظ على طابعها المحلي (تزامناً مع إبداء احترام غير مشروط للماضي)، ظهرت آثار التجديد في عقلية الفرقة وعروضها المسرحية بدرجة بسيطة.اليوم، أصبحت هذه الفلسفة الفنية المميزة والممزوجة مع طاقات استعراضية إبداعية ناضجة بالكامل، ما جعل الفرقة الهنغارية الشعبية واحدة من أهم أسس مسرح الرقص الشعبي المعاصر على المستوى العالمي أيضاً.منذ تأسيس بيت التراث الهنغاري عام 2001 بدأت الفرقة الهنغارية الشعبية تُحقق مهمتها، باعتبارها القسم الفني في بيت التراث، ومنذ يوليو 2016 تحيي الفرقة الهنغارية الشعبية، بقيادة المدير غابور ميهالي والمدير الفني إستيفان بال سزالونا، حفلات كثيرة.