الفوضى الكويتية الخلاقة
فوضى الكويت الخلاقة دخلت مجلس الأمة، واشترت كثيرا من النواب، وأصبح العضو الذي يخون ضميره وشعبه ووطنه هو العضو المقدم والمخدوم لدى الحكومة، بل إن مراكز النفوذ من خارج الحكومة والتي تعلمت من فوضانا الخلاقة صارت تشتري من تريده من النواب.
عندما ابتدأ الحديث عن الفوضى الخلاقة كان الغرب يقصد بها الثورة لتغيير الأحوال السيئة، لكن أهل الغرب لا يحبون هذا التعبير، فاستبدل بفكرة الفوضى، ولكن تفتقت أذهان البعض أن تقوم جهات بإثارة الناس لخلق هذه الفوضى ليس من أجل التغيير للأفضل إنما لإشعال فتن بين الناس لا تنتهي.حكومتنا الحبيبة قررت أن تمارس فكرة الفوضى الخلاقة، وطبعا لم تقصد بها التغيير للأفضل لكنها تفردت بفوضى خلاقة للنكد والقهر والإحباط ونشر الفساد في المجتمع، حتى صار الشرفاء في هذا البلد في غمّ وهمّ دائمين، فلا هم يريدون مقاومة هذا المخطط بما يليق به من قوة، خصوصا في الظروف الإقليمية المحيطة ولا هم قادرون على تغيير هذا الواقع بالطرق الشرعية، فالكويت من بين دول الخليج التي أتيح لها برلمان ومؤسسات شرعية وقضائية ورقابية لكن الفوضى الكويتية الخلاقة دخلت في كل هذه المؤسسات وتكاد تدمرها تدميراً شاملاً. الفساد استشرى إلى حد أن المسؤولين يتحدثون عنه بكل صراحة وبدون أن يرتجف لهم رمش، وكأنهم يقولون هذا نحن وهذا نظامنا، فمن أراد الفوز فليتبعنا ومن أراد الحسرة فليبق على أخلاقه وليمت قهرا، كان مجلس الأمة في بداياته يقف أمام التجاوزات، وحتى لو لم يحقق نجاحات على طول الطريق إلا أنه أوقف أو كشف بعض هذه التجاوزات، أما اليوم ففوضى الكويت الخلاقة دخلت مجلس الأمة، واشترت كثيرا من النواب، وأصبح العضو الذي يخون ضميره وشعبه ووطنه هو العضو المقدم والمخدوم لدى الحكومة، بل إن مراكز النفوذ من خارج الحكومة والتي تعلمت من فوضانا الخلاقة صارت تشتري من تراه من النواب، فلم تعد الرقابة والتشريع الخالص للشعب هما أساس العملية النيابية، وما الفضائح التي نسمعها هذه الأيام إلا الشيء اليسير من سيل الفساد الذي شمل كل مفاصل الدولة.
النواب الشرفاء في مجلس الأمة يبدو أنهم اكتفوا بدور الكلام عن الفساد دون أن يفعلوا شيئا بشأنه، وأجزم أنه لو قدر لمجلس أن يقف بقوة لحماية الوطن فإن الفوضى الكويتية الخلاقة ستطيح به لتأتي بمجلس أسوأ.المشكلة الكبرى أن غالبية الناس استسلمت لفكرة "ماكو فايدة"، وانكفأت في بيوتها تأكل قهرها وغضبها دون أي محاولة لتصحيح المسار وإيقاف هذه الفوضى، وإن وحدة الناس والتفافهم لاختيار عناصر شريفة لمجلس الأمة تمثلهم بدل اختيار من يتوسط لهم لإنجاز أعمالهم الخاصة هي من يمكن أن توقف بعض هذه الفوضى، وإن مقاومة طالبي الرشوة والإبلاغ عنهم ستمكن كل مواطن أن ينجز أعماله حسب القانون ولو تأخر قليلا. إن مواجهة النواب الفاسدين في الدواوين وفي المجالس وفي فترة الانتخابات لا بد منها؛ لكي يعرف الفساد مكانه عند الناس، وإن الكتابة وتفعيل جمعيات النفغ العام والنقابات والاتحادات المهنية لكي تعلن رفضها لهذه الفوضى يمكن أن تساهم في تحجيم هذه الفوضى، فسكوتنا قد يفهم أنه قبول واستسلام، وبالتالي تداعي الوطن واستمرار نهبه، وإن هذه الفوضى ستؤدي إلى إفلاس الكويت، فلا يمكن لبلد يدار بهذه الفوضى أن يستمر إلى الأبد.الدعاء إلى الله أن يأخذ هذه الفوضى ونحن نجلس بدون أي تعبير عن حزننا وغضبنا، وبدون أن نحاول تغيير هذا الواقع لن يأتي بأي نتيجة، لكن من المؤكد، وهذا ما علمنا إياه التاريخ، أن الناس لن يبقوا ساكتين إلى الأبد، والعاقل من يقرأ التاريخ جيداً.