ديمقراطية العالم الثالث
الديمقراطية هي معركة الحرية، وصراع بين الخير والشر، وانتصارها يعني انتصار قوى الخير، ويؤدي المثقفون في المجتمع دوراً في تحقيق الديمقراطية لمواجهة ومحاربة الفساد والتخلف، وهؤلاء يشكلون نخبة قوى التقدم التي تؤكد دائماً قيم الخير والحرية، وتضحي من أجلها.
لكل زمان ومكان مصطلحات تختلف في معناها مثل: الديمقراطية، والعالم الثالث وغيرهما، وهنا نريد التوقف عند هذين المصطلحين، فالعالم الثالث هو مجموع الدول النامية التي تتشابه فيها الخصائص والمكونات ودرجة النمو، وكذلك تعيش المشكلات نفسها، وتعتبر الدول العربية من ضمن هذا العالم مهما اختلفت درجة النمو بينها وبين الدول الأخرى في هذا الفضاء. أما مصطلح الديمقراطية فهو النهج الذي يقوم على الحرية والدستور، والمجتمع المدني، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار، وتختلف الممارسة الديمقراطية التي تجربها من دولة لأخرى، ويعتقد البعض أن بعض الدول ومنها دول عربية غير مهيأة لمثل ذلك التطبيق لأسباب عديدة، ونختلف مع هذا الرأي، فالمجتمع الذي يؤجل ممارسته الديمقراطية لأسباب سياسية لن يدخلها على الإطلاق، لأنها قضية الحياة كلها، وليست وجبة أو صفة جاهزة. فالديمقراطية هي معركة الحرية، وصراع بين الخير والشر، وانتصارها يعني انتصار قوى الخير، ويؤدي المثقفون في المجتمع دوراً في تحقيق الديمقراطية لمواجهة ومحاربة الفساد والتخلف، وهؤلاء يشكلون نخبة قوى التقدم التي تؤكد دائماً قيم الخير والحرية، وتضحي من أجلها.
والمثقفون الذين نعنيهم هم النوعيون لا المزيفون، فالمثقف الحقيقي الذي يناضل مبدئياً ولا ينتظر نتيجة في حياته، بل النتيجة حصيلة جهود متقدمة تحتاج إلى وقت طويل في حياة المجتمعات لتحدث التحولات الكبرى؛ مثل الانتقال إلى الديمقراطية.إن كشف الزيف ومحاربة الفساد هما مقدمة ذلك النضال من أجل الديمقراطية، والمجتمع الذي يشكو من أزمة في قضية الحرية لم تدخله الديمقراطية بعد، إذ لا ديمقراطية بدون الحرية، ومفهوم الحرية يتأصل دستورياً ويمارس في الحياة العامة، والوطن العربي يشكو من مسألة الحرية، وبذلك هو يشكو من أزمة في الممارسة الديمقراطية. ويعتقد البعض سواء كان في السلطة أو خارجها خصوصا في العالم الثالث أن هيمنة الأغلبية في الانتخابات أو غيرها قد تحقق الديمقراطية، نحن نعلم أن دول العالم الثالث، والوطن العربي من ضمنها، تعج بالتخلف والفساد، وفي الوقت نفسه تدعو للديمقراطية لأنها سلطة كانت أم أحزاباً لديها الأغلبية، ولكن هذه الأغلبية جاهلة ومسلوبة الإرادة، فحتى الانتخابات ونتائجها ليست دليلاً على النهج الديمقراطي حتى إن كانت مؤشراً لقياس توجه الأغلبية لجماعة من الجماعات. ولكن لا بد من القول هنا إن ذلك لا يعني أحقية الأقلية في السيطرة تحت أي مبرر، وإن المعيار الأساسي للبداية الصحيحة هو وجود الدستور الدائم الذي تتوافر فيه مبادئ الحرية، ويتم تطبيقه وتطويره للأفضل، وتبعاً لذلك قيام دولة القانون الحقيقية والدولة المدنية، الدولة التي يشعر فيها المواطن بالأمن والحرية والتطور، وهذه قضايا نسبية تختلف من مجتمع لآخر ومن زمن لآخر.إن أدعياء الحرية والديمقراطية كثيرون، لكن سرعان ما نكتشف تخلفهم وعنصريتهم وطائفيتهم وعدم اعترافهم بالآخر، فتقوم الحروب الأهلية هنا وهناك سواء من الأقلية أو الأغلبية من الداخل قبل أن تكون من الخارج، فلا يزال وطننا العربي بعيداً عن الديمقراطية، ولم يدخلها بعد لأنه لم يدخل الحداثة الحقيقية.