بما أن جون بولتون يتحلى بخمس صفات يفتقر إليها الرئيس (الذكاء، الثقافة، المبادئ، الوضوح، الخبرة)، وبما أن بولتون يُعتبر في الأوساط الرئاسية مقرّباً من رئيس يتفاعل مع آخر فكرة سمعها من برنامج تلفزيوني على محطات التلفزة أو من موظف، فإنه سيصبح قريباً ثاني أخطر أميركي، ففي التاسع من أبريل سيغدو أول مستشار للأمن القومي يقترح أن تفكّر الولايات المتحدة جدياً في الشروع في جرائم حرب.ارتبطت التهمتان الأوليان اللتان وُجهتا إلى مجرمي الحرب النازيين البارزين خلال محاكمات نورنبيرغ بشن حرب عدوانية، وبعدما ازداد بولتون، الذي يعتبر الحرب التجارية مع الكثير من الأصدقاء والأعداء حافزاً غير كافٍ، جرأةً بسبب نجاح مغامرة الولايات المتحدة في العراق، التي بدأت في مثل هذا الشهر قبل 15 سنة، صار يفضّل الحرب الفعلية ضد كوريا الشمالية وإيران. صحيح أن هاتين الدولتين تضمان نظاماً عدائياً، إلا أننا لا نستطيع القول بصدق إن أياً منهما تهدد بشن هجوم وشيك على الولايات المتحدة، ورغم ذلك يعتقد بولتون أن قصفهما كلتا الدولتين يجعل العالم أكثر أماناً، ولكن كيف يمكن أن تأخذ التطورات منحى خطأ؟
نسمع الكثير عن أن بولتون يعادي بشدة الحاكم المستبد بوتين، الذي يكِنّ له الرئيس الأميركي (فكرة رجل ضعيف عن الرجل القوي) الإعجاب، وعن أن ترامب عبّر مراراً عن كرهه لغزو العراق الذي روّج له بولتون، لذلك تعبّر اليوم الأوجه المقطبة الحاجبين بين البلداء عن حيرتها: كيف يمكن للرئيس أن يكيّف قناعاته مع قناعات بولتون؟ لنكرر هذا الواقع مرة أخرى: لا يملك ترامب أي قناعات.يردد كثيرون أن قرار غزو العراق كان أسوأ قرار اتُخذ في السياسة الخارجية الأميركية منذ حرب فيتنام، ولكن ليس صحيحاً أن جورج بوش الابن وكبار مستشاريه "كذبوا" بشأن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، كما يزعم الرئيس الحالي واليسار المتشدد. أخطأ بوش ومستشاروه فهم المسائل بكل بساطة، ويدرك المحافظون خصوصاً أن هذا الحدث لا يُعتبر الأول من نوعه في سجلات الحكومة.ولكن وفي حين نشهد للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية حشداً للصناعة الأميركية قد يدفع هذه الأمة إلى أعلى المراتب بين قوى العالم، ندرك أن الرئيس الأميركي ما عاد الرجل الأقوى في العالم، فقد تفوق عليه رئيس الصين. ويعود ذلك في جزء منه إلى تخلي الولايات المتحدة عن الشراكة عبر الهادئ من دون أن تضع سياسة تجارية بديلة. تعني القوة امتلاك القدرة على تحقيق التأثير المرجو، أما نوبات الغضب والتحطيم العشوائية، فلا تُعتبر قوةً، وينطبق على الرئيس الحالي وصف ونستون تشرشل لوزير الخارجية جون فوستر دالاس: "الثور الوحيد الذي أعرفه والذي يحمل خزانة أوانيه الخزفية على ظهره".على غرار إدارة أوباما التي يهزأ بشدة من سياستها الإيرانية، يعتقد بولتون على ما يبدو أن للولايات المتحدة سلطة أن تقرر مَن يستطيع أو لا يستطيع امتلاك أسلحة نووية، لكن باكستان، التي بلغ دخل الفرد فيها 470 دولاراً حين طوّرت أسلحة نووية قبل 20 سنة (كان دخل الفرد في الصين 85.50 دولاراً حين بنت أسلحة نووية عام 1964)، أن أي دولة تعقد العزم على امتلاك أسلحة نووية تستطيع ذلك.يعكس إيمان بولتون بقدرة الولايات المتحدة على إرغام العالم على إحسان التصرف واتباع المسار الصائب ما دُعي "اضطراب السياسة النرجسية": الاعتقاد أن كل ما يحدث في العالم يحدث بسبب أمر قامت به الولايات المتحدة أو لم تقم به، لكن هذه وصفة للأوهام الدبلوماسية والمغالاة العسكرية.بالحديث عن الأوهام انهار أحدها قبل أيام: الاعتقاد أن من الممكن إحاطة الرئيس بأمان بطبقات من الإشراف الراشد، فقد وضع سلف بولتون، هربرت ماكماستر، كتاباً رائعاً (Dereliction of Duty "إهمال الواجب") عن إخفاق المسؤولين، وخصوصاً القادة العسكريين الذين كانوا يدركون جيداً ما يحدث، إلا أنهم لم يقاوموا الوقوع في كارثة فيتنام، ويُستبدل ماكماستر اليوم لأنه كان سيؤدي واجبه بشأن نزوات الأميركي الأكثر خطورة.* جورج ويل* «واشنطن بوست»
مقالات
ثاني أخطر أميركي
28-03-2018