الحكومة تفتح باب «باكدجات التقاعد»
بعد موافقتها مبدئياً على حزمة مزايا طلبها المجلس الأعلى للقضاء
• تمهِّد لسيل من المطالبات النيابية والشعبية بتطبيقها على الجميع
في حين تتكدس مقترحات القوانين الشعبوية ذات الكلفة المالية العالية في لجان مجلس الأمة، قدمت الحكومة للنواب سبباً وجيهاً لإعادة إحياء تلك المقترحات والضغط لإقرارها، بعد أن وافقت مبدئياً للمجلس الأعلى للقضاء على «باكدج تقاعدي» لقضاة محكمتي الاستئناف والتمييز، يتضمن صرف راتب عامين لكل منهم، مع استثنائهم من إتمام السن التقاعدية، بحسب ما صرح وزير العدل وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المستشار د. فهد العفاسي.مثل تلك «الحلول الترقيعية» للتقاعد ليست بجديدة على سلوك النظام الإداري الحكومي، وقد فشلت في إثبات جدواها، بل إن ضررها كان أكثر من نفعها، سواء على المال العام أو على استقرار الجهة الإدارية، وعلى ذلك فقد زرعت الحكومة، بموافقتها على «الباكدج»، بذوراً لأزمات سياسية مع أعضاء مجلس الأمة والموظفين الكويتيين الذين سيطالبون بتوسيع دائرة المستفيدين من «باكدجات التقاعد» وتطبيقها بأثر رجعي على متقاعدين لم يستفيدوا من تلك العروض.سبق للحكومة أن قدمت عرضاً مماثلاً للقيادات العسكرية في الجيش والشرطة لتشجيعها على التقاعد من أجل تجديد الدماء وترقية الصفين الثاني والثالث ودفعهما إلى المقدمة، إلا أن النتيجة كانت مطالبات من المتقاعدين العسكريين السابقين في الجيش بالحصول على نفس «الباكدج» أسوة بزملائهم، ولم تستطع الحكومة الصمود طويلاً أمام التصعيد النيابي في هذا الصدد لتجد نفسها مجبرة على إصدار قرار بصرف مكافأة لهم بلغ إجمالي كلفتها نحو ٦٠ مليون دينار، ودفعت الحكومة هذا المبلغ كتسوية لوقف التصعيد النيابي ونتيجة ارتكابها خطأ بالخروج عن المألوف في تقاعد القياديين.
ولعل ذلك يعيد إلى الأذهان انفراط سبحة الكوادر والبدلات المالية للموظفين بدفع شعبي وتصعيد نيابي نتج عنه اليوم اختلالات جسيمة في الموازنة العامة للدولة، وتكدس الموظفين في القطاع الحكومي، وهجرة عكسية من القطاع الخاص إلى العام، وليس بعيداً عن هذا أيضاً الاستياء الشعبي من صرف رواتب استثنائية لأعضاء مجلس الأمة، بالإضافة إلى مكافأتهم الشهرية فيما اعتُبِر تمييزاً بين المواطنين والنواب.كما أن استمرار الحكومة في موافقتها على «باكدجات التقاعد» سيضعف موقفها عند مناقشة الاقتراحات النيابية بشأن «التقاعد المبكر»، فكيف ترفض الحكومة مثل تلك التوجهات، في وقت تصرف فيه «باكدجات» لتقاعد يسبق السن القانونية، بل تضيف إليها مكافآت مالية تعادل رواتب عامين وأكثر؟وبالعودة إلى «باكدج القضاة» فإن هذا الاتجاه لا يُتوقع له أن يختلف كثيراً عن العسكريين في ولادة مطالب أخرى من داخل الجسد القضائي، أو الجهات المعاونة له مثل إدارة الفتوى والتشريع، والخبراء، وغيرهم، بل إن «الموافقة المبدئية» للقضاة من شأنها تشجيع قطاعات أخرى ظروفها مماثلة، ومنها على سبيل المثال أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت أو الأطباء في وزارة الصحة.وفي حال كهذه، تثار تساؤلات مشروعة: كيف ستتعامل الحكومة مع أي مطالب جديدة قد تخلقها موافقتها على «باكدج القضاة»؟ وهل التوسع في نظام «الباكدجات» سيخلق نظاماً جديداً للتقاعد خارج إطار القوانين المنظمة؟ أليس تعديل التشريعات القائمة بما يتوافق مع الحالات التي أظهرتها الممارسة أولى وأجدى من دفع أموال من خزينة الدولة؟