تنوير : ناصر الظفيري
نعم... أعرف أنه روائي من القلائل الذين خطوا طريقا خاصة في سروده... ولا أنوي في هذه الزاوية التعرض لمشروعه الروائي المهم، فهو مما يحتاج نظرا مدققا وعملا بحثيا معمقا. هدفي هنا أن أشعل مصباحا على مساحة أخرى تكشف عن وعي ناصر الظفيري، وانتماءاته التي راقبتها عن قرب بمقالاته المهمة في صحف الكويت، وخاصة "الجريدة".حين التقيت ناصر الظفيري في بيت الروائي الكبير إسماعيل فهد دارت أحاديثنا حول أشياء كثيرة: الأدب العربي والثقافة العربية والأوضاع الإنسانية والسياسية، وغير ذلك مما تتمخض عنه حوارات المثقفين. آراء ناصر تبدو مألوفة، فهو ككل من يتكلمون، يعلن انتصاره للمهمشين والمستضعفين وأصحاب المواهب الكبيرة، حتى إن صغرت مواقعهم في ثقافاتنا المرتبكة. لم أعتد الحكم السريع على الأشخاص، فللزمن طرقه الخاصة في تحديد نسبة الصدق فيما يعلنون. بعدها راقبت مقالات ناصر الظفيري بوصفها إعلانا مدفوع الثمن سياسيا واجتماعيا عن مواقفه الحقيقية، وقد لاحظت أمورا أحسبها مما يجب الوقوف عنده بالنظر والتحليل.
تتوزع مقالات الظفيري بين استعراض نقدي لأعمال أدبية يراها هو مما يستحق الالتفات، ويقدم فيها نقدا مختصرا كاشفا، وقضايا اجتماعية تتصل دوما بوطنه الكويت، ومقارنات ثقافية تفتح أفق المتلقي على الوعي الغربي الذي خبره الظفيري جيدا منذ انتقل إلى كندا. وفي كل ما يكتب لم يتخلَّ ناصر عن انتماءاته التي سمعتها منه في أول لقاء. فهو حين يقف مثلا عند رواية "زهور تأكلها النار" للكاتب السوداني أمير تاج السر (الجريدة/ ٢٧/٣/٢٠١٨) تركز عينه الناقدة على الهمِّ الإنساني العميق الذي ينبت هناك في بلاد النيل، ثم يتجاوزها نحو الأفق الإنساني الأرحب. وهو في كتابته لا يهمل الجانب التقني الذي ينتقده مخلصا، رغم ضيق المساحة التي تخصص له في الجرائد. يستخدم الظفيري مقولات من النقد والفلسفة الغربيين، محولا إياها برشاقة مثقف مدقق لتخدم القضية التي يتناولها، دون أن يزوغ بصره عن هدف كتابته. يتعرض الظفيري في كتاباته أيضا لقضايا شائكة، مثل انجراف المثقفين باتجاه السلطة تحت ضغط الحاجة وغياب التأمين المادي الذي يضمن للشاعر والروائي والمثقف عيشا كريما، ومظلة من الأمان الوجودي تسمح لوعيه أن يبدع بحرية، وهو وضع مؤسف يتحول بسببه المبدع العربي عن وظيفة المثقف الحقيقي المثير للأسئلة، والداعم بلا قيد أو شرط لقضايا الحرية والعدالة والمساواة، نحو ترسيخ ساذج لقيم المؤسسات الثقافية الهشة (الجريدة/ ٢٠/ ٣/ ٢٠١٨). وهو في تناوله لمثل تلك القضايا يفضح مخلصا الواقع الثقافي العربي، لا ليهدم أو ليمارس تعاليا مقيتا على أقرانه، لكن ليبلور المشكلة كخطوة أساسية للوعي بها وتجاوزها. ناصر الظفيري زميل لم ترتق علاقتي به لمستوى الصداقة، ما يجعل كتابتي عنه متخلصة من وهم المجاملة والاتهام بالشللية، فهو من القلائل الذين التزموا وظيفة المثقف الفاعل العضوي بلا ضجيج، وبإيمان عميق بقوة الكلمة وشرفها. وبلا ضجيج أيضا أود أن أرد له بعضا مما لمسته فيه من إعلاء للقيمة الإنسانية والأدبية والجمالية على كل ما هو شخصي أو نفعي ضيق. ولعل مقالي هذا يدفعه للتفكير جديا في تجميع مقالاته المهمة وتوسيعها في كتاب يثري به المكتبة العربية.