«تعارض المصالح»... مثال لضعف المهنية وتراجع جودة التشريع!

• القانون يعمق أزمات البورصة بدلاً من البحث عن حلول للسيولة
• المداولتان لعرض المشاريع أمام الرأي العام لا لـ«السلق» في جلسة واحدة

نشر في 29-03-2018
آخر تحديث 29-03-2018 | 00:04
محمد البغلي
محمد البغلي
الغرض من وجود مداولتين لأي مشروع قانون هو التصويت عليه في المداولة الأولى، ثم طرحه أمام الرأي العام والمختصين؛ لإبداء الرأي والنقد والتصويب، قبل التصويت في المداولة الثانية المقررة مثلاً بعد أسبوعين، أما التصويت على قانون فني يتعلق بجزئية حساسة من جزئيات الحوكمة في مداولتين بجلسة واحدة، بعد نقاش محدود، فهو أقرب إلى «سلق القوانين».
فتح إقرار مجلس الأمة لقانون "حظر تعارض المصالح" الحديث حول مدى مهنية وجودة اقرار القوانين في الكويت، لا سيما في السنوات الاخيرة التي صدرت فيها شريحة متعددة من التشريعات تُناقض الهدف من وجودها، او تسيء لسمعة الكويت الخارجية أو تأتي لتحقيق منفعة لمصلحة طرف دون آخر.

ورغم أن قانون منع تعارض المصالح يستهدف سد الفراغ التشريعي المتعلق بالتكسب غير المشروع واستغلال السلطة، فإنه وسع من دائرة الاتهام والتجريم من خلال المادة 4 منه، التي نصت على أن "كل موظف حكومي يمتلك حصة أو نسبة من عمل أو نشاط له تعاملات مالية مع جهة عمله يعتبر في حالة تعارض مصالح تشكل جريمة فساد"، وهو أمر يتناقض مع طبيعة التعاملات في سوق الكويت للأوراق المالية، التي يصل عدد متداوليها الأفراد الى نحو 150 ألف حساب تداول من موظفي الدولة، فضلاً عن ملاك الاسهم غير المدرجة او الورثة، مما سيؤدي الى حالة من البيع الناتج عن ضعف مهنية القانون، وبالتالي زيادة العزوف عن تعاملات الأسهم، في حين أن من المفترض بمجلس الأمة والحكومة أيضا متابعة أسباب ضعف السيولة في البورصة وإيجاد الحلول لها بدلا من تعميقها!

صعوبات عملية

ومع أن القانون أعطى المتعاملين من موظفي الدولة فرصة الإفصاح عن ملكياتهم، بدلاً من البيع أو التنحي عن الوظيفة؛ فإن خيار الإفصاح هنا يبدو عديم الفائدة، لأن عمليات توقيع العقود بين الشركات المدرجة مثلا تتم في فترات يومية واسبوعية متقاربة، لاسيما في القطاع النفطي أو الخدمي كوزارات الكهرباء والماء والصحة والتربية والاشغال وغيرها، وبالتالي فإن اي موظف حكومي مهما دنت درجة اتخاذه للقرار سيكون عليه مسؤولية الإفصاح عن الملكية، كلما وقعت شركة ما، يمتلك من اسهمها سهما واحدا، عقدا او مشروعا او مناقصة مع جهة عمله، وهذا بالطبع غير عملي وصعب التنفيذ، فضلاً عن ان الشركات غير المدرجة غير ملزمة بالافصاح عن اي عقود تبرمها مع الدولة، وبالتالي سيكون ملاكها من موظفي الدولة عرضة لجريمة فساد لم يعلموا أصلا بوجودها، حسب القانون.

مداولتان

إن الغرض من وجود مداولتين لأي مشروع قانون هو التصويت عليه في المداولة الأولى، ثم طرحه أمام الرأي العام والمختصين؛ لإبداء الرأي والنقد والتصويب، قبل التصويت في المداولة الثانية المقررة مثلاً بعد أسبوعين، أما التصويت على قانون فني يتعلق بجزئية حساسة من جزئيات الحوكمة في مداولتين بجلسة واحدة، بعد نقاش محدود، فهو أقرب إلى "سلق القوانين"، ولا علاقة له بجودة إقرارها ومتابعة تنفيذها، في مشهد على ما يبدو أنه بحث عن الاحتفاء بإنجاز غير حقيقي يتعلق بالعناوين الرئيسية، مع إهمال التفاصيل، وإن تعارضت مع المنطق.

ويأتي قانون حظر تعارض المصالح ضمن سلسلة قوانين أقرت خلال السنوات الماضية، افتقد معظمها المهنية في الإعداد، وعانت من السطحية في النقاش، وغالبا تم التصويت عليها سريعا وفي مداولتين بجلسة واحدة، وبالاجماع أو بنتيجة شبه إجماع، وإن اساء بعضها لسمعة الكويت الخارجية كقانوني البصمة الوراثية، وخفض سن الحدث من 18 إلى 16 عاماً، اللذين أوقعا الكويت في حرج بشأن ملف حقوق الانسان فيها، الى جانب تعدد قوانين الرياضة لأكثر من 3 تشريعات في اقل من 5 سنوات، وكلها خضعت لتجاذبات اطراف الصراع الرياضي، دون ان تنعكس فعلا على تطوير الانشطة الرياضية او تنمية الشباب.

شيطان التفاصيل

أما في الشق الاقتصادي، فثمة قوانين براقة من حيث الشكل، لكنها محدودة الفائدة، ان لم تكن عديمة بالمضمون، كقانوني المناقصات العامة والوكالات التجارية، فالأول كان الغرض منه فتح مجال للشركات الاجنبية للدخول الى المناقصات الحكومية بلا وكيل محلي، غير ان مواد القانون وضعت اشتراطات والتزامات غير عملية على الشركات الاجنبية؛ منها إسناد ما لا يقل عن 30 في المئة من أعمال المناقصة إلى مقاولين محليين، وشراء نحو 30 في المئة أيضا من مستلزمات العقود من موردين محليين أيضا، مما يترتب عليه أضرار بالغة على صعيد المنافسة والأسعار والجودة، بل ينفي الغرض من السماح للشركات الأجنبية بالدخول المباشر في المناقصات ويجعله شكلياً، لما فيه من قيود على المقاول الأجنبي، فضلا عن التوسع في الاستثناءات المتعلقة بخضوع الجهات الحكومية لسلطة هذا القانون... أما قانون الوكلات التجارية الذي استهدف تعدد الوكلاء لأي سلعة بغية تحقيق المنافسة فإنه كان اقرب ما يكون إلى تنظيم لعلاقة الوكلاء الحاليين أكثر من السماح لدخول وكلاء جدد، لأنه لم يراع قواعد التنافسية بين وكلاء سابقين حاصلين على دعم الدولة في امتيازات الأراضي، مقابل المنافسين الجدد الذين لا يحظون بنفس الامتياز.

تحديات مليارية

إن أبسط قواعد المهنية في التشريع تستلزم عمومية مخاطبة المشمولين بأحكامه، لا تخصيصه لحالات بعينها، فضلا عن التواصل مع أهل الخبرة والممارسة، كي يكون القانون نافعا للجميع، بعيدا عن الاستعجال في إصداره كما يحدث في العديد من التشريعات التي أقرت مؤخرا.

إن ضعف مهنية إعداد القوانين مشكلة تواجه البرلمان الكويتي بسلطتيه التشريعية والتنفيذية، لأسباب متعددة يطول شرحها تتعلق بفردية العمل البرلماني وتراجع أداء الادارة الحكومية، وهي أمور ظهرت أوضح مع اعتماد الصوت الواحد كنظام انتخابي، غير اننا اليوم أمام تحديات لا يسمح فيها بالقدر الضئيل من المهنية والجودة في التشريع، خصوصا عندما يرتبط الأمر بمشاريع واقتراحات عالية الكلفة، كقانون التقاعد المبكر او رفع سقف اقتراض الدين السيادي الى مستويات قياسية، وهي تحديات مليارية لا يمكن التعامل معها بترف "سلق القوانين" أو شياطين التفاصيل.

ضبط الإنفاق يُنتج أعلى مصروفات في 8 سنوات!

أسباب غير جوهرية أو معروفة سلفاً وراء رفع الميزانية

رغم التعهد الحكومي بضبط المصروفات في الميزانية العامة للدولة، بما لا يتجاوز 20 مليار دينار، فإن مجلس الوزراء رفع هذا الأسبوع ميزانية عام 2018/2019 بواقع

7.5 في المئة إضافية!

ومعنى الرفع المستحدث في الميزانية أن سياسة ضبط المصروفات أنتجت أعلى قيمة إنفاق في 8 سنوات عند 21.5 مليار دينار، في مشهد يبين بـ"الأرقام" فشل السياسات الاقتصادية الحكومية، وعدم قدرتها على تقديم ميزانية دفاعية تواجه واقع العجز المالي ومخاطر تقلبات أسعار النفط؛ المصدر الأساسي وشبه الوحيد للإنفاق العام.

وليس من المبالغة القول إن جميع الأسباب، التي أوردها بيان وزارة المالية عن قرار مجلس الوزراء رفع كلفة الإنفاق، إما غير جوهرية أو كانت -على الأقل- معروفة سلفاً عند إعداد الميزانية الأولية المعلنة في نهاية يناير الماضي، مثل ارتفاع أسعار دعم المنتجات البترولية، أو تعويض المتضررين من العسكريين، أو تسوية حساب العهد، أو ميزانية التعزيزات العسكرية للحرس الوطني، الى جانب مكافآت نهاية الخدمة للمدرسين، وتعويض نقص مخزون الأدوية، فضلا عن ترحيل تكلفة مناقصات للسنة المالية المقبلة، إضافة إلى اعتماد مشروع مبنى قصر العدل، والمرحلة الثالثة من حديقة الشهيد.

هذه كلها مطروحة ومكررة، وتم الإعلان عنها في أكثر من مناسبة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن مصروفات الميزانية المعلنة لا تمثل كافة المصروفات الحقيقية للدولة، لأن هناك مصروفات خارج الميزانية تسحب من الاحتياطي العام، وهي طويلة الأمد ومتكررة وتتعلق بتغطية النفقات العسكرية وسداد حصص من رساميل شركات حكومية أو هيئات محلية أو مؤسسات دولية تساهم فيها الكويت ومؤسسة الرعاية السكنية وبنك الائتمان وصندوق الأسرة وغيرها، عادلت في سنوات ما يقابل 30 في المئة من مصروفات الميزانية المعلنة.

اللافت أن إعلان رفع قيمة المصروفات في الميزانية تزامن مع اعتراف شجاع لوزير المالية بوجود هدر في باب مصروفات المشاريع يبلغ 40 في المئة، مما يستوجب إعادة هيكلة باب "المصروفات الرأسمالية" البالغة قيمته 3.6 مليارات دينار، مما يشير إلى أن الهدر فيه يوازي 1.42 مليار دينار، أي ما يعادل 94.6 في المئة من المبلغ الذي تمت إضافته الى الميزانية الجديدة، وهذا يعني أن الحد من الهدر يمكن أن يغني عن ارتفاع مخاطر رفع الإنفاق في الميزانية، مع تأكيد أهمية معالجة مختلف أبوابها.

القانون يأتي ضمن سلسلة قوانين أقرت خلال السنوات الماضية افتقد معظمها المهنية في الإعداد وعانى السطحية بالنقاش

لا نمتلك ترف تشريع قوانين غير مهنية عندما يرتبط الأمر بمشاريع الكلفة كقانون التقاعد المبكر أو رفع سقف اقتراض الدين السيادي
back to top