«ذا فويس»... من الغوطة!
رغم الانكسار العربي الكبير بعد نكسة يونيو 1967، فإن ردة فعل الشارع العربي تجاوزت قياداته وحكوماته، ووضعتهم في موقف المواجهة والتصدي رغماً عنهم، فعمَّت الجامعات والأوساط الثقافية والفنية موجة من حراك المواجهة ورفض الهزيمة. المشاعر كانت جياشة، رغم صعوبة وصول الخبر والصورة إلى المواطن العربي، ويوم قُصفت مدرسة بحر البقر في مصر من الطيران الإسرائيلي ماج الشارع العربي بالغليان والرفض للضحايا.واليوم يتجوَّل العربي في صالة منزله بـ"الريموت كنترول"، ليشاهد صوتاً وصورة أطفال الغوطة وهم يُحرقون ويُهجرون وتدمَّر "الشام"، فيكبس على زر "ريموته" لينتقل إلى متابعة "ذا فويس"، ويتمايل طرباً، وتأخذه الحماسة والغيرة ليشجع مطرب بلده، بينما تلاشت من مخيلته صورة المحروقين بـ"نابالم" بشار الأسد، وراعيه في موسكو بوتين، وتداخلت صرخات أهل دوما وحرستا بـ"آه يا ليل يا عين" للمتسابقة المحجبة! بينما ملايين أخرى مهتمة بتحضير منتخباتها لتشارك في كأس العالم (المونديال) في روسيا! نعم يا عرب في موسكو، عاصمة البلد الذي يسوِّي مدن وقرى سورية، وتقوم بأكبر عملية تطهير طائفي شهدها التاريخ مع إيران وميليشياتها والنظام الطائفي السوري، وهي الكارثة التي يتجاوز حجمها حجم القضية الفلسطينية بعشرات المرات، لأن تدمير سورية وإنشاء كيانات الطوائف والأقليات سيكون ربما هو الضربة القاضية لهذه الأمة.
ما الذي جعلنا متبلدي المشاعر، وشهوداً على جرائم العالم ضدنا دون أن نتحرك أو نقاوم؟ هل هي الأنظمة المستبدة؟ أم الإسلام السياسي، الذي جعل أعداءنا يوظفون فصائل مختلفة منا لنقاتل بعضنا بعضاً تحت رايات العصبيات الطائفية؟ في أوروبا لم يتحمَّلوا حرباً أهلية في البلقان والبوسنة والهرسك لسنوات قليلة، وتدخلوا لحلها، ونحن تحترق الشام، وبعضنا يتاجر في قضيتها، أو يعتقد أن النار لن تصل له، وهو واهم، لأن ما جرى في سورية، إن نجح وانتصر الطرف الباغي فيها، فسيُكمل مشروعه في كل الدول العربية، وسنشاهد مئة غوطة جديدة في بقية العالم العربي؛ عاجلاً أم آجلاً.