سنتابع في هذا المقال بعض قضايا الأقلية اليهودية في الوسط الشيعي، لا سيما بعد "القاجار"، حيث تولت الحكم الأسرة البهلوية كما هو معروف، فأصبح "رضا شاه" أول ملوك هذه الأسرة، ولكنه تعاطف لاحقاً مع النازية والفكرة الآرية ودول المحور، ويقول كتاب "اليهود في البلدان الإسلامية" الذي نقتبس منه عن إيران بعد رضا شاه إن اليهود أعربوا دائماً في الانتخابات عن تأييدهم للأحزاب الليبرالية المعارضة للأحزاب الإسلامية واليسارية، ويضيف عن "حزب تودة" الشيوعي: "انضمت أعداد محدودة منهم خاصة من بين المثقفين في عقد الأربعينيات إلى حزب تودة الذي تأسس في عام 1941، ثم خرج معظم اليهود الإيرانيين من الحزب بعد أن ساءت العلاقات بين الاتحاد السوفياتي وإسرائيل، وبعد أن تحسن بشكل ملحوظ وضع اليهود الاجتماعي والاقتصادي، وبعد أن أطيح بنظام مصدق في شهر أغسطس من عام 1953، وشكل يهود هذا الحزب رابطة عرفت باسم الرابطة الثقافية والاجتماعية واليهودية". (ص63).وكان رجال الدين اليهود في إيران والعراق لا يقلون خشية من نظام التعليم العام ومناهج التدريس الحديثة، وأبدت القيادة الدينية اليهودية في هذين البلدين معارضتها الشديدة لهذه المدارس "لاهتمامها فقط بتدريس المواد العلمانية واللغات الأجنبية، وعدم اهتمامها في المقابل بتدريس المواد الدينية".
وتزعم الحاخام "يوسف حاييم" الذي كان من أبرز الشخيصات الدينية في القرن التاسع عشر، الاتجاه المعادي لهذه المدارس، "بل أصدر فتوى وقع عليها كل حاخامات الطائفة قضت بمنع أطفال اليهود من الذهاب لهذه المدارس، وصدرت هذه الفتوى بعد أن حاولت "جماعة كل شعب إسرائيل أصدقاء" افتتاح مدارس للفتيات اليهوديات في بغداد، كما عارض الحاخام أيضا محاولات تدريس المواد العلمانية واللغات الأجنبية في المدارس اليهودية التقليدية، وفي إيران زعم الحاخامات أن النظام التعليمي الذي تنتهجه مدارس جماعة "كل شعب إسرائل أصدقاء"، يضعف من مكانة الدين، ومن قوة الروابط الأسرية، بل يشجع الشباب اليهود على اعتناق الديانة المسيحية أو البهائية أو الإسلام".وعن مصير هذا النظام التعليمي في كل من العراق وإيران يقول: "بالرغم من معارضة الحاخامات للنظام التعليمي الحديث فإن مدارس جماعة "كل شعب إسرائيل أصدقاء" حققت قدراً كبيراً من النجاح في العراق، فقدر في عام 1910 عدد الدارسين اليهود الذين التحقوا بمدارس هذه الجماعة بثلاثة آلاف تلميذ، ولم تكن هذه المدارس منتشرة فقط في بغداد أو في المدن الجنوبية من العراق فقط، مثل البصرة والحلة والعمارة وخاناقين، وإنما كانت منتشرة أيضا في المدن الواقعة شمال العراق، مثل مدينتي الموصل وكركوك، وفي إيران قدر عدد الدارسين في هذه المدارس في عام 1912 بألفين ومئة يهودي، وانتشرت هذه المدارس في طهران وهمدان وأصفهان وشيراز وكرمنشاه وتوشكرجان ونهاوند، وتزايد عدد الدارسين فيها بعد أن اتضح للجميع أن مناهج التعليم المعتمدة في هذه المدارس تساعد اليهود على الانخراط في صفوف العمل بالجهات الحكومية". (ص79).ولم تول هذه المدارس اهتماماً يذكر بالتقاليد اليهودية أو بالتقاليد المحلية وكانت مناهج تعليم مدارس "جماعة كل شعب إسرائيل أصدقاء" في العراق وإيران مناهج أوروبية فرنسية، لم تهتم كثيراً بالدراسات الدينية اليهودية. ويضيف الكتاب: "ومن هنا فلا غرابة في أن التلاميذ اليهود الذين تلقوا تعليمهم في هذه المدارس شعروا بالانفصال التام عن عالم الطائفة اليهودية وعن تراثها الأدبي والفكري، وبالإضافة الى أن التلاميذ اليهود لم يتلقوا في هذه المدارس أي مواد تعليمية تؤهلهم للمساهمة في النشاط القومي للمجتمع أو التعاطف معه.ولم تنجح هذه المدارس أيضا في أن تجعل من الشخصية اليهودية بالشرق شبيهة بالشخصية اليهودية في فرنسا التي رأت أنها فرنسية في المقام الأول، وأنها تنتمي من الناحية الدينية إلى الديانة اليهودية، وأسفرت المناهج التعليمية لهذه المدارس عن ابتعاد اليهود عن عالم الديانة اليهودية، وعن حركة النهضة القومية اليهودية، وعن عدم تحمسهم للاتصال بالحركة الصهيونية. ويمكننا على هذا النحو تفهم الأسباب التي جعلت الدوائر الدينية المحافظ على كل من العراق وإيران تعرب عن معارضتها لنشاط جماعة "كل شعب إسرائيل أصدقاء". (ص80).وفي المنطقة الخليجية، ومنها الكويت، يلاحظ الباحث "يوسف علي المطيري" في كتابه "اليهود في الخليج" أن الاختلاف بين أتباع المذهبين الإسلاميين السني والشيعي في الكويت، "كان واضحاً فيما يتعلق بالموقف من طعام وشراب غير المسلمين، والذي كان ربما يستند إلى مفهوم شيعي خاص بنجاسة أهل الذمة، رغم تعامل بعض المسلمين الشيعة معهم والصداقات التي ربطت بين بعضهم". ويضيف "المطيري"، أن الحوادث الدالة على هذا الموقف تجاه الأقلية اليهودية قد تعددت في الكويت والبحرين. ويضيف: "فصالح ساسون محلب اليهودي كان قد أسس مصنعاً للثلج في الكويت عام 1912 فكثر الناس على شراء الثلج، فأخذ بعض الشيعة ينادون بتحريم الشراء منه حتى اضطر إلى إغلاقه، وقام بشرائه أحد تجار الشيعة في الكويت. وفي البحرين كان البائع في سوق الأسماك أو الفاكهة يمنع اليهودي من لمسها لمعرفة الجيد والرديء منها، وأحياناً يقوم بضربه على يده، ووصل الأمر إلى إجبار اليهودي على شراء ما لمسه من أسماك أو فاكهة حتى عُرضت قضيةٌ على حاكم البحرين حين أراد البائع إجبار أحد اليهود على شراء برتقال قام بلمسه، فذكر اليهودي أنه لمس قشرة البرتقال وهي الجزء الذي لا يؤكل منها وهو مستعد لدفع ثمن القشرة، وليس لبّها، فقبل حاكم البحرين ذلك وأصدر قرارا بمنع إجبار اليهود على شراء ما قاموا بلمسه من طعام". (اليهود في الخليج، الكويت 2011، ص156-158).وكان التعامل مشابهاً في شرب الماء والشاي، حيث يقول المطيري: "كان المسلمون الشيعة لا يشربون من الإناء نفسه الذي يشرب منه اليهودي، ويغسلونه بعد شربهم منه، ويذكر أنور منشي كوهين أنه عندما يزوره بعض الشيعة في دكانه في الكويت كانوا يشربون لديه الشاي أو القهوة فقط؛ لأن من يقوم بعمل الشاي أو القهوة كان مسلماً، كما كان لجميع الطلاب في المدرسة الجعفرية في البحرين عام 1931 وعاءٌ للماء غير الذي يشرب منه الطلاب اليهود بطلب من أولياء أمورهم.
مقالات - اضافات
شيعة الولايات المتحدة... والمرجعية (3)
30-03-2018